أنت هنا

قراءة كتاب ليلة الهدهد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليلة الهدهد

ليلة الهدهد

"ليلة الهدهد" إصدار روائي عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2013. للكاتب العراقي المقيم في السويد إبراهيم أحمد، يقول الروائي عن ليلة الهدهد التي كتبت فصولها بين آب 2000 ونيسان 2013 في السويد وبغداد والقاهرة:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
هنا انتفض الكرد؛ فتصدى لهم ما تبقى من جيش النظام، رأيت ما حل بهم· هاموا مشتتين على سفوح الجبال على غير هدى· صاروا يتلقون الخبز والحليب لأطفالهم من أبواب طائرات الهيلوكوبتر الدولية المحلقة فوقهم· لم أبرح بيتي مع قلة من سكان القلعة, بقيت مع هذه المجموعة الصغيرة من الفقراء التي ظلت في بيوتها الصغيرة القديمة ينتظرون القتلة، أو أية مصائب أخرى! هرع مسعود البرزاني، وجلال الطالباني إلى صدام· رأيتهما في التلفزيون وهما يدخلان إليه، الواحد تلو الآخر، لا أدري بماذا تحدثا معه، وإذا كانا قد اعتذرا عما بدر من الكرد في انتفاضتهم، لكني رأيتهما يقبلانه من كتفه· صدام لا يسمح لأحد أن يقبله من وجهه، منحاه ما يشبه قبلة الحياة، كان بأمس الحاجة إليها بعد أن كاد يتورى!
 
اقتربت من الموت وتمنيته! مرة أخرى قبل فترة قصيرة، جرى بين البرزاني والطالباني صراع على أموال الكمارك وغيرها من الأتاوات في المنطقة التي يتقاسمان النفوذ عليها، تطور إلى حرب دموية طاحنة قتل فيها المئات من الجانبين، فاستعان الطالباني بقوات إيرانية، واستولى على أربيل معقل مسعود البرزاني، وأجبره على الفرار منها مع فلول قواته، استعان مسعود بصدام، فأرسل له لواءً مدرعا وكتيبة من القوات الخاصة بقيادة ابنه قصي؛ هزمت بيشمركة الطالباني ومن معه من القوات الإيرانية، ولاحقتهم إلى ما وراء الحدود مع إيران· عاد البرزاني مع بيشمركته إلى أربيل، سمعنا صوته من أذاعته، وهو يكيل المدائح لصدام، ويصفه بالأب الحقيقي للأكراد، والذي يجب طاعته مهما قسا على أبنائه، والقائد الحكيم الذي لا يدرك حكمته إلا أصحاب البصيرة، وإنه مستعد لأن يلبي كل ما يأمر به! دارت مفارز الأمن والمخابرات على الفور يرافقها البرزانيون أدلاء على بيوت ومقرات ضيوفهم المعارضين العرب العراقيين· الذين لم يفيقوا من هول صدمتهم بوجود قوات السلطة حولهم حتى عاجلهم الرصاص والقصف بالقنابل· قتل المئات منهم، واعتقل كثيرون وأخذوا أسرى مقيدين إلى بغداد· سبوا عوائلهم ونهبوا بيوتهم ومقراتهم، حصلوا على وثائق تحوي أسماء أعضاء في أحزابهم وتجمعاتهم ومناصرين من مدن العراق المختلفة· كانت مذبحة كبرى، جاءني أحد الشبان الكرد المتعاطفين معي، عرض أن يأخذني إلى مكان آمن· شكرته ورفضت مغادرة بيتي، وجدتها مناسبة طيبة أو معقولة للخلاص، صرت أنتظر القتلة، أن يأتوا ويخلصونني من حياة أضحت فائضة عن حاجتي وحاجة الآخرين· وجدت الاستسلام للموت القادم من بغداد مريح جداً، تمنيت فقط أن يجهزوا علىّ بسرعة ودون تعذيب، صرت أتخيل الطريقة التي سيقتلونني بها، رضيت بكل طريقة لقتلي، فقط كرهت اقتيادي إلى أجهزتهم السرية في بغداد، أو عرضي في التلفزيون لإذلالي! قال الشاب الكردي: أمر مخز لنا، القادة الكرد هنا يقتلون ضيوفهم ومناصري شعبهم· الغدر صار لديهم تقليداً، وعرفاً وشيئاً يفاخرون به! بقيت طيلة الأسابيع التي مكثت فيها قوات صدام في أربيل أطل من نافذة القلعة؛ أرى مصفحاتهم وسياراتهم تجول وتصول، لم أخرج لأسلم نفسي لهم خشية أن يأخذ ذلك معنى تعاوني معهم، لم يفكروا أن في هذه القلعة المتآكلة هدفاً يستحق الملاحقة، انزل حزب البرزاني في شوارع أربيل فرق رقص ودبكات ومزامير وغناء، رافعة صور صدام وعلم العراق تهتف، وتحي الضباط والجنود القادمين محررين من بغداد! انسحب الجيش من أربيل، والمنطقة تاركاً إياها للحماية الأمريكية· سرعان ما عادت العلاقة بين الحزب الشيوعي وجماعة البرزاني إلى سابق عهدها، وكأن شيئاً لم يحدث، ولم يقتل العشرات من الرفاق هنا وفي بغداد، وغيرها بعد أن كشفت أسماؤهم وعناوينهم· هذه هي القاعدة، مادام رأس الحزب سالماً معافى؛ فالحزب بخير، ولا شيء يدعو للمساءلة! أصبت بخيبة أمل أنني بقيت على قيد الحياة، حتى صرت أعجب من استعصاء عمري على الانتهاء!

الصفحات