أنت هنا
قراءة كتاب قيد على قلب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
يادار عبلة بالجواء تكلمي
ويــل للغــة الضـــاد الشاعرة من بعدك يا سيبويه·· !
شاعر نبطي
هكذا استهل عنترة العبسي مفهوم قبول الآخر في مداولاته الشعرية وهو يؤسس للغة الحوار في عصره·· فقد كان منفياً وملغى وسط قوم نبذوه·· لكنه قد قال عن أشجعهم شأناً في زمانه بلغة القصيد لو كان يدري ما المحاورة اشتكى فكأنه يقول لنا إن الحوار جدل ثري يتوهج بالحضور والتفاعل وليس قراراً أو ترخيصاً·· والبون الشاسع بين العصر العربي الغابر وعصرنا المجيد أننا حصرنا لغة الحوار في التغطية الإعلامية دون أن نتحاور·· والتزمنا بالسياق الإعلامي وكأننا نتسامر تحت ضوء القمر في مضارب عنترة بن شداد لكن بنيه الأحرار أخفقوا كثيراً فبدا حوارهم هدفاً لذاته وليس لنتائجه·· أو كأنهم يستبقون مفهوم الحرية ضمن توفر حالات المؤانسة والمسامرة وليس توفر مساحات الفكر·· ففكرة الحوار ليست جديدة أصلاً لكنها قامت على تراكم معرفي استمدت تشكيل إطارها استجابة لفكرة الخير والصلاح وتبني قاعدة النظام، ونمو حاسة الاحترام والانضباط والتطور·· وبدأت منذ أن قال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً·· وهي أيضاً توظيف للثقة والوعي والأمان والإبداع، وليست جدلاً بيزنطياً أو سياقاً وظيفياًً·· وأحسب أن قبول الآخر هو البوتقة الأولى في تأسيس قيمة الحوار بكل معانيه وأغانيه·· وليس مصادرة للفكرة أو إلغاء للهوية حتى يمكننا بالفعل أن ننتقل بحوارنا إلى الواقعية·· فأكثر الأوطان بزوغاً وإشراقاً هي تلك التي تعيد صياغة مقدمة تاريخها في استيعاب التنمية الاجتماعية، وفي التعبير عن ذاتها بلا حشو وبلا هذيان·· وحتى لا يثير ذلك سخط البعض منا فإنه لن يتم بالضرورة من خلال وعاظ محترفين أو أكاديميين موظفين·· ولكن من خلال سجية تلقائية تمليها الفضائل والمثل العليا لكل طبقات المجتمع منذ لحظة الميلاد·· مالم نكن طبعة معادة ونسخة مكررة·· ونحن بالتأكيد لسنا كذلك··
بل إن مساحة الحرية في مداولات الحوار ليست هي الاقتراب من الشأن السياسي بقدر ما هي في الابتعاد عنه·· ذلك أن قضايانا الأخرى فادحة جداً ومسكوت عنها إلى درجة اللامبالاة، وكأنها ليست شاغلاً أو كابوساً يعنينا من قريب أو بعيد·· فأصبحنا نسيء إلى واقعنا ونسيء فهم موقفنا الإنساني منها وكأننا نتاج لصناعة جاهزة·· فنتجه في تناول واقعنا بسطحية مفرطة وكأن جدران منتدياتنا هي الحوار ذاته وليست انبثاقا فكرياً من حضوره ورواده·· وأخشى أن يكون تقديم أنفسنا للعالم ولمصاف العمالقة المتحاورين ينطوي على الفضل والامتنان في هذا التقديم، وكأن قصارى إنتاجنا الحضاري أننا نجيد لغة الحوار دون أن ينعكس حوارنا على واقعنا·· فالعالم من حولنا قد تجاوزنا كثيراً وألف هذه اللغة، ويتكلم بها ويمارسها بشفافية حين نكصنا عنها زهاء عقود سحيقة··


