أنت هنا

قراءة كتاب مفارق العتمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مفارق العتمة

مفارق العتمة

"مفارق العتمة " هي باكورة الإنتاج للروائي محمد عبدالله المزيني، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004،  يعرض فيها الروائي لسمفونية المكان الذي يلعب الدور الرئيسي والحيوي، فمنذ العنوان والقارئ يشعر بهذه الرسالة المكانية فكلمة مفارق توحي بالمكانية، كما أن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
- ما بك يا ولدي ؟
 
- علقني الأستاذ بالفلكة·
 
- لماذا يا ولدي ؟
 
تبعثرت ذراتها بين قدميه تلملم آلامه كحبات عقد منثور تعضدله وتحمل آهة الألم عنه وترعف باكية· والدي لا يحرك ساكنا·· الأمر حتماً لا يحرك له جفناً لا يعنيه، بل اكتفى معلقا·
 
- لعله أحدث شيئاً مستنكراً، فنال عليه جزاءه واسترسل :
 
لا تشغلي بالك كثيراً، دعيه وشأنه تعالي لتضعي لنا لقمة نأكلها·
 
المسكينة لم تعبأ بأمر والدي الذي طالما رأته مقدساً، فمصابها جلل أفقدها وعيها إلا من أخي··وجهه الممتقع يوغل حريقا في دمائها· نقلته إلى إحدى غرف المنزل الداخلية تجتر صمتها المفجوع تقذف به إلى كبد السماء·
 
أمام هذا المشهد قال أبي بصوت خفيض :
 
- جنّت أمك ؟!·
 
أضمرت في نفسي ألماً وحسرة وصراخاً تهدر به أوردتي·· كدت أتميز·· أبي وحده وقف متجلداً كصخرة قديمة· أَحَبَّ أن يرانا رجالاً يعتمد عليهم، لا يقبلنا بهذا الخور ؛ لذلك آثرت لزوم الصمت كي لا أبدو أمامه ضعيفاً خائراً·· خشيت أن يبدد نحيب أمي المسكينة سكينتي فلم أكن أسمع نحيباً قط مثلما جادت به حنجرتها، وعيناها تفيضان من الدمع· لا أريد أن يحس ذلك مني، كانت تراوده رغبة في أن أصبح ذات يوم شيخاً يتباهى به أمام الناس، فمنذ أن ألهمتني ذاكرتي بآية من سورة الملك نسيها الإمام في الصلاة وأنا لا أستطيع الفكاك من إسار تلك الثقة·· كانت منحته المباركة لي وكان حافزه إمام المسجد الذي أبدى رغبة أكيدة في تبني موهبة الحفظ لديَ موصياً أبي بضرورة إلحاقي في صفوف حلقة تحفيظ القرآن· لم أكن بمنجاة من قراره الحاسم لركوب الصعب ولزوم حلقة التحفيظ، حيث كانت تعقد في المسجد عصر كل يوم، فلطالما كرهت الانتساب إليها، فهي تعيد صياغة وجه المدرسة القميء بلغة مختلفة وأسلوب يعتمد على العصا (الخيزران) في شحذ همة الطلاب ؛ على اعتبار أنه أمر مسلم به، يؤمن به الشيخ ويطبقه عملياً لحمل أعباء الأمانة وهو على حد تفسيره للقرآن الذي لو أنزل على جبل لتهدم وتصدع ؛ إذاً لابد من أن تتحمل أجسادنا الصغيرة لهيب سياط (النقش) لقب أطلق على الشيخ معلم القرآن لكثرة الندوب على وجهه من آثار مرض الجدري· النقش لا يحبذ أدنى صوت يصدر منا وكان يردد عبارته المشهورة (بلا نفس) كانت وجوهنا الشاحبة بأعين شاخصة تلعنه، أي نفس أيها القميء، اخرس أيها الصوت المنقوش كوشم قديم، آه لو أبصق في وجهه تعبيراً عن كرهي له، لولا ذلك الخوف من والدي الذي يكبلني، وثقة إمام المسجد بي لما ترددت لحظة واحدة·· وفي ريعان هذا الكره المستفز بين جموع المتحلقين نصف دائرة، حيث ترتمي الأعين على الأعين والأنفاس تشدها الأنفاس يصرخ (النقش) اسمعوني صوتكم، اقرأوا فنستطير هلعاً تعلو أصواتنا كطنين النحل، ليسجل بذلك انتصاراً يرتسم بين شفتيه الغليظتين تحرقهما أحيانا تصرفاتنا التي تنم إما عن هلع أو تحد له، فيضرط أحد الطلبة فيستطير الشرر من عينيه الحانقتين، نسجل علامات انتصار غير آ بهين بما سيحدث فيما بعد، فيصيح غاضباً من فعلها ينهض، لا مجيب، يخيم الصمت وتحلق الرائحة كدليل انتصار، وضحكاتنا تتسلل متدافعة تحرضنا على مواصلة لعبة التحدي ؛ قتلاً للوقت وعناداً له ثم يصرخ :

الصفحات