أنت هنا

قراءة كتاب مفارق العتمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مفارق العتمة

مفارق العتمة

"مفارق العتمة " هي باكورة الإنتاج للروائي محمد عبدالله المزيني، طبعة المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2004،  يعرض فيها الروائي لسمفونية المكان الذي يلعب الدور الرئيسي والحيوي، فمنذ العنوان والقارئ يشعر بهذه الرسالة المكانية فكلمة مفارق توحي بالمكانية، كما أن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
- ذات يوم·· وبينما الأستاذ يجوب فناء المدرسة بحثاً و ترقباً كعادته عن طلاب متخلفين عن الذهاب إلى منازلهم رأى طالباً تخلف عن اللحاق بزملائه· استوقفه سائلاً :عن اسمه، وفي أي الصفوف يدرس ؟ سجل ملحوظاته الأولى، ثم راح يسأله بعد أن أجلسه إلى جانبه عن سر تخلفه وأشياء أخرى عن عمره وترتيبه بين إخوته وهواياته، استأنس التلميذ، فلم يجد بداً من الامتثال لأستاذه الذي يمنحه الآن فرصة الحديث معه بأريحية غير معهودة بين أستاذ وطالب، دلفا معاً في حديث ابتهج له التلميذ لا يشاركهما فيه أحد و بعيداً عن الأعين والأسماع بما يسمح بمسح غشاوة الكلفة بينهما· أصبحا منقادين إلى لغة يحددها الموقف وحده، تعرت نزواته وانهمرت تكنس كل الآمال المعقودة بالعودة··انطلق متنقلاً بحرية بيديه الراعشتين بين مواقع مختلفة من جسد التلميذ في رحلة قياسات المسافات القصيرة والطويلة بحركات وئيدة من الأسفل إلى الأعلى، تتلاشى الكلمات وتستشري الدماء النافرة في عروقه بخطوات غير محسوبة، تتمدد الأفعى في روع التلميذ وتتمطى حمى الغواية متراقصة أمام عيني الأستاذ···
 
بدت الحكاية ملفقة في نظر محبي الأستاذ، صاغتها ألسن مشحونة بالكره والتشفي، لمعت بها أعين الطلاب الشانئين متسربة بين بقية الطلاب، ولم يعر لها الأستاذ سليمان أي اهتمام مبدداً شكوك الإدارة بممارساته المعهودة دون أدنى تراجع، ولم تتورم الحكاية بين طلاب المدرسة إلا حينما تقدم ولي أمر الطالب بورقة صغيرة كاستفسار عما يتناقله الطلاب، مما أضر بنفسية ابنه·· تحمل بين طياتها مفاتيح أبواب الجحيم التي ستفتح على مصراعيها في وجه الأستاذ· أمام هذا الاستفسار لامناص من فتح محضر للتحقيق· خضع الأستاذ سليمان للتحدي وقبل المثول أمام اللجنة المخولة بالتحقيق· بدأت تداعيات الحكاية وتبعاتها تستشري ملقية بظلالها على أجواء المدرسة والأحياء القريبة· أصبحت التهمة ورطة جرّت معها أسماء أخرى من الأساتذة والطلاب للمثول أمام اللجنة للإدلاء بالشهادة، فكانت نبراتهم أقرب للتشفي، وكأن تفاصيل الحكاية وحكايات أخرى عبرت مسلسلة بين أعينهم مثل شهود عيان، وهم يجسدون نزق الفتيان في اختراع قصص بطولية تشهد على رجولتهم· كشفت هذه الحكاية عن تبعات وذيول كادت تودي بالمدرسة وإدارتها إلى نفق مظلم، لولا تدخل مدير المدرسة ململماً أجزاء الفضيحة المبعثرة في أجزاء من حكايات لم تكتمل، جلبت معها حكايات أخرى طالت في بعضها شخص المدير الخرافي، الذي كنا نراه وكأنه صيغ من عوالم أخرى تبعث فينا الخوف·· وكنت أختلسه بنظرات شانئة فأرتد إلى أقصى مغارة داخلي أرتمي بها هرباً من عينيه، اللتين لا تفتآن تقذفان بحمم بركانية· في لحظة محسوبة استحال إلى كائن أليف أقرب منه إلي قرد بهلوان· بات طيلة تلك الأيام يستجدينا ومراتٍ أخرى يتهددنا بكلام لا نفهمه على وجه التفصيل، كل ما احتفظت به عقولنا التي تكابد لالتقاط كل ما يمليه علينا أساتذتنا كان يحاول، جاهداً أن يضع يده الغليظة أمام أعيننا الشاردة فزعا مستثيرا كوامن الخوف فينا، للحد من مسلسل الفضائح التي جلبتها تباعاً فضيحة الأستاذ سليمان، وأن يطوي بذلك صفحة أضرت بسمعة المدرسة·

الصفحات