بهذه المجموعة "تحت سماء غريبة" يفتتح عدنان الصائغ، مشروع حريته الشعري.أقول هذا بغية الإشارة إلى أن الحرية تكتسب، ولا تتاح. في الفن تصبح هذه المقولة في منزلة الضرورة. الإحساس نفسه، وسيلة الارتطام الأولى، ينبغي له أن يكون حراً.
أنت هنا
قراءة كتاب تحت سماء غريبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
جنوح
كان يلزمني لاجتراحِ القصيدةِ
طاولةٌ خارج اللغةِ - البيتِ (معنى يشكّلهُ الطفلُ،
قبل الفراشاتِ،
في رعشةِ البرعمِ الغضِّ)
قلبٌ يدلُّ الغيومَ إلى زهرةِ الجلّنارِ (الأصابع تنسلُ سهواً
إلى مرمرِ الصدرِ، تجفلُ،
تسألني بعدها:
كيف مررّتَ سهوكَ ثانيةً تحتَ قوسِ القميصِ)
سيدةٌ لا تكرّر أحلامَها في نعاسِ الحداثةِ (أسمعُ من شرفةِ النصِ
: وقعَ ارتطامِ خطاكِ على البحر)
كان يلزمني للرحيلِ
انطفاءُ الحنينِ
وقبّرتان
وذلُّ التسوّلِ في الزمنِ - الثلجِ
ظلُّ التجمّلِ في الوطنِ - القمعِ
انكفأتُ على ما لدي: الحقائب تنثرني في الرصيفِ عراءً طويلاً ستطويه ريحُ المخاوفِ في درجِ الضابطِ الفظِّ وهو يوزّعني في البصاقِ على أوجهِ النائمين وقوفاً بأرضيةِ المخفرِ الرطبِ، منسرباً في الدروبِ التي هرّبتْ حزنَها في قناني الكحولِ إلى غرفِ النومِ والثكناتِ·· أنفّضُ ما قد تساقطَ من ورقِ الدمعِ فوق مصاطبِ عمري، وأمضي وحيداً بظلِّ الحقائب (فارغة) تتعثرُ أو تترددُ في عتباتِ الفنادق، تغمزُ لي - في ممرِ الخصورِ إلى صالةِ الرقصِ - سيدةٌ تتصابى وراء مساحيقِ أحلامها والزجاجِ المضبّبِ، أنسلُّ من طقم أسنانها نحو لوركا، يطاردني الجازُ والبقُّ· ضوءُ المصابيحِ يرشحُ من معطفِ الحارسِ الرثِّ نحو سريري، فأفرشهُ وأنامُ على شَعرها حالماً بالينابيعِ، يوقفني المخبرون بباب المطارات منقسماً بين داري وسيقانِ من يعبرن دمي في ثيابِ الأغاني القصيرةِ· لي وطنٌ في الحقيبةِ كيف أهربّهُ من عيونِ المفتشِ وهو يجوبُ مساماتِ نبضي، رصيفاً، رصيفاً· فيربكني نايهُ في الجنوبِ البعيدِ : أنين قرانا التي مشطتها المفارزُ والطلقاتُ··· أمدُّ يدي بالبطاقة (ممسوحةً) يتفحصها حذراً· كيفَ لمْ أنتبهْ للصراصيرِ تقفزُ من عينه· يسقطُ القلبُ منكسراً فوق أرضيةِ البهوِ· أحني دمي كي ألمَّ الرنينَ ـ الحنينَ، فينهرني الواقفون الأنيقون (تحني منظّفةُ البهو قامتَها كي تلمَّ سماءَ الوداعِ المشظّاةَ، يقرصها رجلٌ ثملٌ، فيفزُّ الحمامُ بدمعتها في ظلالِ السريرِ الوحيدِ) أمرُّ أمام الطوابيرِ، تدفعني موجةٌ نحو كشكٍ صغيرٍ، أرى في الجريدةِ صورتَهُ تتبسمُ للعابرين، يطنُّ الذبابُ على أنفهِ ويطيرُ لمبنى الإذاعةِ حيث المذيعةُ تنفخُ في علكها كرةً يتقاذفها الجنرالاتُ (ينفخُ في بطنها مخرجٌ ثم آخر) يعبرني الباصُ· أعبرُ جسرَ البكاءِ إلى صدرِ أمي· أرى مدناً نخرتها الجنودُ، وأخرى رمتني ككلبٍ طريدٍ وراء الحدودِ، وأخرى تعلّقُ - في الحربِ - سروالها رايةً·
- أين نسيتَ القصيدةَ
- لمْ أنسها
كان محضُ جنوحٍ إلى عزلةِ الروحِ
تلزمني غابةٌ للصراخِ ومحبرةٌ من دمٍ
كي أتمَّ القصيدة··
21/12/1992 بغداد
***