المجموعة القصصية "ثماني غيمات لرجل ماطر"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002؛ نقرأ منها:
قراءة كتاب ثماني غيمات لرجل ماطر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
ثماني غيمات لرجل ماطر
الصفحة رقم: 4
رقّة الدكتاتور
كان طاعناً في تجاعيد الوجه والقلب حتّى لكأنَّ الزمن قد غفل عنه·· لم يكن يُحبّ المرآة· كان يفضّل أن يرى وجهه بطريقة خاصّة؛ لذلك ما إنْ جلس إلى مائدة إفطاره حتى خلع وجهه، ثمّ أمسكه بكلتا يديه··· حدّق فيه وتساءل: ماذا لو سحبتُ الشّمسَ من جدائلها، ثمّ صفعتُ القمرَ فهوى فوقها، فقتلْتُهُمَا معاً وانْتَزَعْتُ ما مضى منّي من فَمَيْهِمَا؟ وقبل أن يتيح لنفسه فرصة التفكير باستحالة أمنيته، أعاد وجهَهُ إلى مكانه وشرعَ في تناول طعامه·· في تلك الأثناء كان كبير الخدم -كالعادة- قد مثل بين يديه·
قال الدكتاتور دون أن ينظر إلى كبير الخدم: كم هو لذيذ هذا الطعام؟!·
أجاب كبير الخدم محاولاً أنْ يُدْخِلَ إلى قلب الدكتاتور مزيداً من السرور: وجبةُ الغداء ستكون أكثر لذّة، فهناك مجموعة كبيرة من النساء والأطفال والرّجال بانتظار الذّبح، وقد أرسلتُ في طلب كبير جزّارين جديد، واشترطتُ أنْ يكون ماهراً كسابقه·
صرخ الدكتاتور غاضباً: كيف يجرؤ كبير الجزّارين على ترك العمل دون إذنٍ مني؟·
قال كبير الخدم مرتعداً: أنتَ من أذِنَ له يا سيدي!·
نظر الدكتاتور إلى كبير الخدم حائراً: لا أذكر أنّني أذنْتُ له بذلك، لقد كان ماهراً جدّاً ومخلصاً جدّاً!·
أجاب كبير الخدم: بل أذنْتَ له يا سيدي بالانتقال إلى عمل أكثر سُمُوَّاً وعظمة من عمله الأوّل·
قال الدكتاتور بصوتٍ كالرّعد: وهل يوجد أفضل من عمله الأوّل؟ هل يوجد في الدنيا كلّها عمل لإنسان أفضل من أن يكون كبيراً لجزَّاريَّ؟·
ردّ كبير الخدم بحيرة: نعم يا سيّدي؟·
انفعل الدكتاتور ونادى على أحد جزاريه وهو يقول لكبير الخدم: سأقتلك للتّو والحال·
راح كبير الخدم يتوسّل إلى الدكتاتور: أُقسم لكَ يا سيّدي أنّ هناك عملاً أفضل من أنْ يكون الإنسانُ كبيراً لجزاريك·
اشتدّ غضبُ الدكتاتور: وتقولُهَا في وجهي؟!·
قال كبير الخدم: نعم يا سيّدي، فأن يكون الإنسان في معْدَتِكَ أفضل له ألف مرّة من أن يكون كبيراً لجزاريك·
ردّ الدكتاتور باندهاش: وما علاقة كبير الجزارين بمعدتي؟
أجاب كبير الخدم كمن آن له أنْ يخرج من مأزق: لقد استهواك بالأمس، فشرِبْتَ دمَهُ، وطهونا لكَ لَحْمَهُ·
قال الدكتاتور: لكنّ النسيان ليس من عادتي؟
ردّ كبير الخدم وهو يحكّ رأسه: ربّما أمرْتَ بذبحِهِ وأنتَ مُنْفَعِلٌ يا سيّدي، أَذكُرُ ساعتها أنّكَ كنتَ تحاول قتلَ الظِّلّ لأنّه أخفى خيالك·
قال الدكتاتور بارتياح: صدقْتَ يا كبير الخدم، فأنْ يكون الإنسان في معدتي أفضل له ألف مرّة من أن يكون كبيراً لجزاريَّ·· حقاً إنك لإنسان مخلص وسوف أمنحُكَ هذا الشرف، بل أنتَ تستحقّه عن جدارة···