قراءة كتاب ثماني غيمات لرجل ماطر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثماني غيمات لرجل ماطر

ثماني غيمات لرجل ماطر

المجموعة القصصية "ثماني غيمات لرجل ماطر"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2002؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
الحنطة
 
في الخامس من أيّار لعام ألفين أسْدَلْتُ السّتارةَ على لعبة الحانات، وواصلتُ اختلافي مع أبي الحواجب في الواجب هذه مسألة تفكيكية·
 
كان أبو الحواجب أكثر دقّةً من ساعة بغ بن فسمّاه أصدقاؤه الدّقيق، أمّا أنا فسميته الحنطة هذه مسألة بنيوية·
 
كيف تشعر بالخجل بسبب وجودك في مكان ما· الوضْعُ كلّه مؤلم·· كان يجب أن أفهم الدنيا في يوم واحد·· ليلة الكسوف كان الموت ماكراً، ويحمل إصراراً هائلاً على أن يتركني لمصيري هذه مسألة نفسية·
 
منذ أن اختلفتُ مع أبي الحواجب خُضتُ معه عشرات المعارك، كان أبرزها السيف، والبندقية، والصّاروخ هذه مسألة إخبارية، فلنبدأ بالسيف إذن·
 
··· وتقابلنا بالسيف· كان سيفي ماضياً·كان سيف أبي الحواجب أمضى· كان أبو الحواجب ماهراً في النِّزَال، غير أنّي كنتُ أمهر، وبذلك أصبحت المعادلةُ شبْهَ مقبولة· كان يريد قطع رأسي· كنتُ أريدُ تحطيمَ قدميه· كان يريدني أنْ أزولَ عن الدّنيا· كنتُ أريدُ أنْ أراه عاجزاً· كان يسدِّد ضربته باتجاه رقبتي، فأُخفِض رأسي وأجرحُهُ في يده، أو بطنه، أو إحدى قدميه· كان يقاتِلُ على مبدأ الضّربة القاضية، وكنتُ أقاتِلُ على مبدأ الضّربات الموجِعَة·
 
فجأة وجّهَ لي ضربةً مباغتةً كادت تطيح برأسي، غير أنّه حين التفت وجدني على يساره أتّكئ على سيفي، فعاجلْتُهُ بضربةٍ تسبّبتْ له في جرح غائر· كان جرحي أكثر غوراً لأنّ سيفه أمضى· كان جرحُهُ أكثر ألماً لأنّي كنتُ أمهر·
 
لأبي الحواجب واجب، فلكلّ مكان مريدوه ومُبغضوه هذه مسألة تاريخية· لم أفهم قانون المُدُن بعد، ولا أريد أنْ أفهمه هذه مسألة شخصية، حسناً لأبي الحواجب واجبه ولي قناعاتي·
 
كان أبو الحواجب -رغم دقّته- أكثر قسوة من ضبعٍ جائع يصادف طفلاً أعزل في أرض خالية·· لا علاقة لي بهذا التشبيه· إنّه يخصّ أبا الحواجب، فلم أكن طفلاً رغم أن أبا لحواجب كان يشترك مع الضّبع في كثير من الصفات هذه مسألة نفسية جديدة·
 
انتهت معركة السّيف وخرجنا بجراحٍ كثيرة، فتقابلنا بالبنادق·· صوَّبَ نحوي· صوَّبتُ نحوه· لم يصبْني· لم أصبْهُ، فتقابلنا بالمدافع· راح يُطلق نحوي، رحتُ أطلق نحوه· كانت قذائفنا تلتقي في منتصف الطريق، تتعانق هناك، ثم تنتحي زاوية وتنفجر فيها، لذلك تقابلنا بالصواريخ·· صاروخٌ يقابل صاروخاً، يتناطحان، ثم يتجادلان في أسباب المعركة:
 
- أبو الحواجب ينفّذ التعليمات بدقّة، والرّاوي يؤمن بالمرونة·
 
- أبو الحواجب صارم في تنفيذ القوانين، والرّاوي لا يعترف بيقينٍ مطلَق·
 
- أبو الحواجب يُحبّ تدجين الآخرين، والرّاوي يصرّ على أن يظلّ برّيّاً·
 
أيها الكاتب الأبله عليكَ أن تقلب الصفحة فوراً هذا خطأ فنّي فادح، فقد يكتشف المتلقّي أن ما ترتديه ليس سوى قناع·
 
ليكن الأمر كذلك، فللأخطاء جمالياتها أيضاً، لذلك سأنْقَلِبُ مائة وثمانين درجة فقط!!·
 
حين أدمنتُ تعاطي التبغ قالت أمّي: فسدَ التّبْغُ في فمه· وتكرّرت المسألةُ لاحقاً حين فسدَ الخمرُ في فمي·
 
لأبي الحواجب واجب، فَليَفْسُدُ كل شيء في فمي، ثمة شيء لن يَفْسُد أبداً·· إنّه اللُّقْمَة·· سأُقابل أبا الحواجب كثيراً· سنتعارك كثيراً·· وسأتذكّر دائماً أنّ أصدقاءَهُ سمّوه الدّقيق، أمّا أنا فسمّيتُه الحنطة·· الحنطة التي لا أريدها، ولا أريد أن تَفْسُدَ في فمي·

الصفحات