"شبابيك الغزالة " - هو الإنتاج الأدبي الثالث للكاتبة الفلسطينية د. سهير أبو عقصة داوود وهو عبارة عن مجموعة قصص ترو ي للقارىء ولأول مرة تفاصيل عاشها ألإنسان الفلسطيني مرحلة من مراحل خسارة الوطن داخل الخط الأخضر..
أنت هنا
قراءة كتاب شبابيك الغزالة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
العطلة
يكن في يدي ساعة لأعلم كم مر من الوقت وأنا واقفة أنتظر الباص حاملةً في يدي اليمنى كيس نايلون دحشت لي أمي فيه بعض الملابس، وفي اليد الأخرى تتململ يد أختي الصغرى وأنا أعصرها عصراً حتى لا تفلت إلى الشارع فتبليني·
كنا ننتظر الباص، الذي سيحملنا إلى القرية المجاورة، لنقضي قسماً من العطلة الصيفية التي ابتدأت قبل أيام عند أهل أمي كعادتنا في كل عام·
فكرت لو أن أمي كانت قد اشترت لي ساعة من معاشها الشهري، الذي بدأت تحصل عليه منذ بدأت تعمل قبل شهور في المدينة المجاورة، لكانت قد وفرت علي قلق انتظار الباص، ولكنت قد تسليت بها وبأرقامها الصغيرة التي تلمع في ضوء الشمس كساعة جدي الكبيرة، وربما علمت أختي المزعجة كيف تقرأ فيها الوقت في زمن الانتظار هذا، ولكن الساعات في أيامنا كانت من نصيب الأغنياء أو الكبار، أما بالنسبة لنا نحن الصغار فقد كانت أمنية لا أكثر· فقط كنت أتعجب كيف أن ابن صفي، الذي ما زال لا يعرف أن يكتب اسمه ولم يحفظ بعد جداول الحساب يملك ساعة كبيرة يتباهى بها في الصف، فقط لأن والده يربح الكثير من بناء بيوت لليهود على أرض كانت لنا يوماً كما كنت أسمع من الكبار في عائلتنا·
ورغم ذلك وعدتني أمي فعلاً أن تشتري لي ولأختي الكبيرة ساعة من أحسن نوع من الهمشبير1 نفسه، وكنت أعلم أن وعود أمي كالدَين، ولا شيء تكرهه أمي أكثر من الديون، إذ كانت تفضل أن تموت جوعاً على أن تستدين قرشاً واحداً، ولذلك لا بد أن تفي بالوعد وأن تشتري لي الساعة المنشودة·
أتى الباص أخيراً يزحف بكسل مزعج أكثر من الأسئلة التي لم ترحمنا طول الطريق من كل جانب: عن أمي وعيشة أمي وسلامات إلى أمي· أما كيف عرفونا، فـ "على اللاحة"كما قالوا·
وكنت أحب الصيف في قرية أمي: فأهلها ما زالوا يعملون في الفلاحة، والقرية بدت أشبه ببيارة كبيرة· كنا نركب على الحمير في وسط الشارع، نتسابق مع الأولاد الآخرين ونقطف الصبر والتين المنتشر في كل ناحية بلا رقيب أو حسيب، تلك أشياء افتقدتها قريتنا التي شلحت ثيابها الأصلية بسرعة، والأهم من ذلك أننا كنا دائماً محل اهتمام الجميع لأننا ضيوف، وهكذا فالجميع يريدون استقبالنا أحسن استقبال، فمرة تأخذنا بنات خالي فلان إلى الدكان القديم ليشترين لنا ما طاب من مأكولات، وتارة تأخذنا بنات خالي علان، ولا ينسى واحد منهم أن يعبر عن استيائه لأننا لعبنا وقتاً أكثر مع بنات الخال الآخر أو نمنا ليالي أطول عندهم·