في راوية "العباءة"؛ المدينة تغالب نعاسها وتغني ، تستيقظ فيها الحياة صباحاً ، ترقص مع اندفاع السيارات رقصة آلية .، بينما يغط البحر خلف المباني المتراصة مثل تنين نائم .
قراءة كتاب العباءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

العباءة
الصفحة رقم: 7
(3)
من الطابق الثاني يرتفع صوت أم فاطمة وهي تنادي أم يوسف المنهمكة في غسل التراب الذي حملته الرياح لمدة ثـلاثة أيام متواصلة عن الدرج· تضع أم يوسف عدة الغسيل في مخزن الكهرباء وتصـعد الدرجات الثلاث التي تفصلها عن باب خشبي ببرواز شقّه نصفين وخلا من الزخارف· هناك تستقبلها امرأة سـمراء ضـخمة، تحضنها ثم تدخـل خلفها عابرةً دهليزًا صغيرًا ألقي في طرفه الأيمن زقان للأحذية، بجواره نبتة صناعية في حوض بلاستيكي أبيض، ثم تعبر قوسًا كبيرًا - تدلت من قمته مسبحة معدنية في آخرها عين زرقاء مفتوحة - يفضي لصالة ذات نـوافذ زجاجية بحجم بابين؛ وقد غطيت بالكامل بستائر مخملية حمراء· تجلسها على طرف الجلسة العربية المرتفعة التي سيجت الصالة من جهات ثـلاث· تتأمل قطع القماش البيضاء التي غطت معظم الأرائـك والطـاولات· تسـحب المفرش عن الطـاولة القريبة منها· فيبدو منظر النقش الشامي على الطاولة البنية متآلفا أكثر مع نقش الحناء الأسـود الذي زيّن كفيها·تسكب القهوة في فناجين صغيرة فتعبق في المكان رائحة الهيل والقرنفل· تثني أم يوسف على قهوتها وهي تهمهم، فترد أم فاطمة بابتسامة مشرقة شقت وجهها المربع حتى قاربت طرفي عينيها البيضاوين ثم تسألها:
- أتمنى أن تساعديني في تحضير المعمول إذا لم تكوني مشغولة؟
- مشغولة!؟ أبدًا، (ترد وترشف القهوة الساخنة المتبقية في قعر الفنجان الصغير على عجل قبل أن تبرد)·
تشكرها أم فاطمة، ثم تتحدث عن ابنتها في المدرسة وكيف أن معلمتها وضعت اسمها في لوحة النجوم - وتعقب كل عبارة بدعاء لها - بينما تؤمن أم يوسف على دعـائها·
تضغط أم فاطمة أذنها وهي تقول: عساه خيرًا، لا أعرف من يتكلّم في سيرتي؟
تدّعي أم يوسف التفاعل مع أحـاديثها المكررة عن أخواتها، فيما هي مأخوذة بسؤال واحد، ترك عينيها شبه ناعستين ومتورمتين· سؤال يجول في ذهنها منذ زمن، تمامًا كما هو طنين أذن أم فاطمة، لكنه طنين عقلها الرازح تحت ضغط الحاجة، أن تكتشف مشروعًا جبّارًا يغنيها وأبناءها، وأخذ السؤال يضرب دماغها بسؤال آخر: ماذا يحتاج الناس وأستطيع أن أبيعه لهم؟ الله لو أمكنني شراء ثلاجة لأستطيع حفظ أكبر قدر ممكن من اللحم بدل أن أطبخ مرة أو مرتين، ونظل بقية الأيام في ذكرى نكهة اللحم الطيبة·!
- أتظنين أنهم مشتاقون لي لذلك أذني اليمنى تطن؟ (تسأل أم فاطمة)·