في راوية "العباءة"؛ المدينة تغالب نعاسها وتغني ، تستيقظ فيها الحياة صباحاً ، ترقص مع اندفاع السيارات رقصة آلية .، بينما يغط البحر خلف المباني المتراصة مثل تنين نائم .
قراءة كتاب العباءة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

العباءة
الصفحة رقم: 8
بالكاد تتمكن أم يوسف من سحب نفسها من الأفكار التي غمرتها بظلمة خرجت منها على حبل صوتها، كأنها تخرج من بئر سحيقة·
- لو كان من يتحدث عني غيرهم لطنّت أذني اليسرى، صح؟ (تسأل أم فاطمة مجددًا)·
بعد دقائق تمشيان نحو الجهة المقابلة من الصالة حيث يتصدر المكان دولاب خشب مليء بالتحف والأواني النحاسية· تلاحظ أم يوسف الحوائط المصفرة واللوحات المذهبة المعلقة في كل مكان - تقريبا - من الجدار وقد كتبت عليها آيات قرآنية للحماية من الحسد· تصلان للمطبخ الذي كان هو الآخر متحف صغير تحيطه دواليب خشبية زُينت مقابضه بقطع من الجوخ المصنوع يدويـًا· حتى قواريـر الخـل والزيت لم تنجُ من تغطيتها بالكـامل بقماش التل الأبيض فبدت كعرائـس أو دمى·
تجلسان على طاولة دائرية، توسطتها سـلة فواكه اصطناعية وصحون مختلفة جـهزت بالدقيق، التمر، وقوالب لصنع المعمول· تخلطان المقادير بينما تستمر أم فاطمة بحديثها المكرر عن السفر الذي لن يتحقق هذا العيد:
- لماذا ؟ تسألها أم يوسف باهتمام·
- زوجي مرابط· والله يا أم يوسف لا أعرف ما الذي حصل للبلد ؟ (وتتابع) يعني، لقد كنا ننام وبابنا مفتوح··!·· أما اليوم·· (تهزّ رأسها في حركة نفي)·
- صادقة·· أصبحنا نخاف من الإرهاب· تقول أم يوسف وهي تتابع ضرب الخشبة على الصينية بقوة لتنزل منها قطعة المعمول وتقول:
- أتؤمنين بالله ؟
- لا إله إلا الله·
- بالأمس قال ولدي إسماعيل الذي يدرس في المتوسطة الموجودة في آخر الحارة: إنه انضم لجماعة ابن الوليد· شهقت ثم قلت له يا ولدي أرحنا من المشاكل· رد عليّ: هذه جماعة لحفظ القرآن·
- وبعدين···؟
- أبدًا· قلت له : يا ابني ارحمنا من المشاكل· انظر لما حصل لأبيك من وراء الجماعات··! لقد أقنعوه بضرورة الجهاد في أفغانستان ضد الكفار والنتيجة، عاد رجلاً آخر مختلفًا عن أبي يوسف الحنون المحب، عاد بقايا إنسان بلا رجلين وبلا عقل، جلس في البيت مثل خرقة بالية لا تسد ولا تنفع·

