برزخ العالم الثالث- مذكرات سجين في مكان سحيق
تأليف: علاء الدين المدرس
الناشر: دار الرقيم - العراق (2003)
أنت هنا
قراءة كتاب برزخ العالم الثالث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

برزخ العالم الثالث
الصفحة رقم: 10
وقد كان تناقص الوزن أمراً رهيباً ومذهلاً لنا جميعاً. كما سجل شتاء هذه المحنة أربع وفيات! بسبب سوء التغذية, وكان كل فرد منا يخشى أن تكون نهايته قريبة بالموت جوعاً, حيث فقد بعضنا (60) ستين كيلو غراماً من وزن جسمه, وفقد بعضهم أقل من ذلك, وقد كان معدل انخفاض الوزن لدى السجناء (20) كيلو غرام شهرياً، أو (40) كيلو غراماً خلال أشهر قليلة.وقد فقدت أنا شخصياً (40) كيلو غرام خلال شهرين، حيث انخفض وزني من (90) كيلو إلى (50) كيلو في مطلع حزيران، ثم استعاد جسمي جزءً من وزني بعد توفر الطعام والسماح بمواجهة الأهل بمعدل عشر دقائق شهرياً.
أما أمراض الصيف فإنها تختلف وتتغير بتغير الظروف, وتتحسن بتحسنها, وبانتهاء حالة الجوع الشديد التي كانت تسود فترة الشتاء, وكذلك عدم الحاجة إلى الشمس صيفاً، مما يرفع مقاومة الجسم ويجعله في وضع صحي أفضل, تغير حالنا نحو الأفضل, إلا أن المعاناة اليومية التي تلاشت وهدأت من الناحية الصحية، ظهرت بصورة أعمق أثراً من ناحية الظروف الطبيعية والحر المهلك.. كما سادت بيننا بعض الأمراض التقليدية، كأمراض المعدة والتسمم والإسهال والمغص, وغيرها من أمراض الجهاز الهضمي, لاسيما في بداية مرحلة توفر الطعام, حيث لم تكن المعدة مستعدة لاستقبال الطعام الكثير والدسم, كما أن سوء الخزن كان من الأسباب الأساسية للتسمم والإسهال. أما معاناة الحر الشديد فسنرى أنها كانت أشد فتكاً من المرض نفسه.
في الحقيقة أن أمراض الصيف كانت تبدو أسرع حدوثاً, وأكثر إيلاماً من أمراض الجوع والشتاء, ويمكن الاستنتاج من هذه المقارنة البسيطة، أن أمراض الأغنياء أشد إيلاماً من أمراض الفقراء, وتلك حكمة طريفة من حكم السجن ومشاهداته, رغم أن أمراض الشتاء كانت أكثر رعباً وأشد أثراً, لأنها كانت تهدد المصير والوجود.. والمرض بكل أشكاله وصوره هو جزء من ابتلاء الله سبحانه لنا, حينما يريد الله سبحانه أن يبتلي عباده المؤمنين، بنقص من الأموال والأنفس والثمرات وشيء من الخوف والجوع, وربما هنا الجوع كله، بكل ما فيه من معان ومعاناة. لقد كانت الصدقة في واقع الحال تحل على الكثير منا, فقد كنا بحاجة إلى تمرة أو ربما إلى شق تمرة, وكان البعض يأكل الطعام الفاسد ثم يشرب بعده ماءً مالحاً , أو يأكل قشور الفواكه , وكنا نمنعهم من تلك الممارسات ولكن دون جدوى, وكان ذلك يحدث عندما يتوفر البرتقال أو التمر وهو لا يتوفر إلا خطأً وبمعدل مرة واحدة في الشهر أو الشهرين.