كتاب "شهدت إختطاف وطن" يحمل شهادات انسانية سياسية ووجدانية مؤثرة عن واقع مُرّ وأليم مَرّ ويمُرّ به الوطن؛ تقول المؤلفة في مقدمتها للكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب شهدت إختطاف وطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

شهدت إختطاف وطن
الصفحة رقم: 4
لماذا؟
لحظات مرت عليّ كأنها دهر آت من زمن سحيق·
دارت بي الأرض واسودت فقد أصبت بحالة إعياء شديد فقدت معها توازني ولم أشعر إلا وذراعان تسنداني من الخلف كي تحمياني من السقوط·
إنها مدبرة المنزل أم منى التي خرجت من المطبخ راكضة نحونا بعد سماعها صراخ مصطفى ونحيب الآخرين·
إحتضنتني بقوة وهي تسحبني إلى الوراء حيث أجلستني على أقرب مقعد في الحديقة وهي تنادي بصوت عال: ميّ، ميّ (أي ماء) بسرعة يا مصطفى·
بعد لحظات تمالكت نفسي وحاولت استعادة الأحداث التي بدأت فصولها منذ شهور طويلة لفتت أنظار الكثيرين بما فيهم أفراد الوسط الرياضي وكلها تصب في مصب واحدٍ يراد به السيطرة على اللجنة الأولمبية الوطنية وبأي ثمن· وقد جاءت تصريحات بعض المسئولين في الصحف والبرامج التلفزيونية مؤكدة مساندتهم لمجموعة من الرياضيين الفاشلين الذين لم يستطيعوا تحقيق الفوز في الانتخابات الرياضية التي أقيمت في دوكان، محافظة السليمانية في كانون الثاني عام 2004 لانتخاب اللجنة الأولمبية الوطنية العراقية وللمرة الأولى في تاريخ العراق·
مما لا شك فيه أن تلك التصريحات كانت المدخل لتنفيذ المؤامرة التي حيكت فصولها في مكاتب مسئولين في الحكومة العراقية، وسآتي على تفاصيل ذلك لاحقاً·
فجأة قطع رنين الموبايل الصمت المخيم على الجميع، وكان موبايل السائق الباكي وقد تعالى صوته قائلاً: أين أنت؟ لا تتحرك من مكانك سنأتي إليك··· قلت لك لا تتحرك·· ولا تتصل بأحد·
كان المتصل أحد أفراد الحماية ممن أفلت من الاختطاف، يسأل عني وكيف يصل إلي·
إستأذن السائق الشاب للذهاب إلى حيث المتصل وكانت الساعة قد قاربت الثانية والنصف ظهراً، أي بعد أربعين دقيقة تقريباً من الاتصال الثاني لسمير فقد اتصل بي بعد الواحدة بربع ساعة لتأكيد موعدنا وها قد اتصل بي مرة أخرى قبل الساعة الثانية بدقائق ولم يتكلم؟ ترى هل أراد في اتصاله الثاني تنبيهي لما حدث ولم يستطع أن يتكلم؟ وأين هو الآن؟ ولماذا لم يرد علي؟ هل أخذوه مع من اختطفوا؟ وهل أصيب مع من أصيب؟
هل وهل وعشرات التساؤلات المتصاعدة والمتصارعة في ذهني وأنا جالسة على كرسي الحديقة مشلولة الحركة جافة الريق لدرجة لم استطع معها أن أنبس ببنت شفة·
سمير يحتل منزلة خاصة عندي وعند جميع أفراد العائلة والأهل وهو بمثابة الابن لنا إذ عاش أيام شبابه في بيتنا طوال السبعينيات وحتى مغادرتنا الوطن في أوائل الثمانينيات وبعد عودة أحمد إلى العراق عام 2003 كان سمير الوفي أول العائدين إلى الأحضان، وبعدها علمت أنه عين مديراً للإدارة في اللجنة الأولمبية الوطنية الشرعية المنتخبة في 2004 وذلك لكفاءته وخبرته في مجال العمل الإداري وشئون الموظفين التي اكتسبها طوال السنين الماضية·
بعد غربة دامت حوالي ربع قرن قضيتها في انجلترا عدت إلى بغداد عام 2004 وكان سمير وأفراد عائلته الصغيرة أول المستقبلين لي بحفاوة وترحيب صادقين·
عاد سمير الأمين ليحتل مكاناً وسط الأسرة ويستعيد ذكرياته السعيدة مع ابنائها، واصطحبته في هذه العودة الجميلة أسرته المؤلفة من زوجته وابنتيه الشابتين وولده الصغير·
بعد ساعة تقريباً عاد السائق مصطحباً الهارب الذي كان منهاراً بشكل واضح ويلطم رأسه صائحاً: شلُون دخلت الفرقة المسلحة وما ضربناهم··· كان لازم نرميهم أول ما يفُوتُون، بس خالة والله إِحنا ما عرفناهم لأن دخل واحد ملثم يصيح··· وصل السيد المستشار··· بالْكُم عَنِّي (أي افسحوا لي)، بالكُم··· السيد المستشار يحضر المؤتمر··· خالة··· أخْذُونا غَفُل···
كان يبكي بمرارة، ومع ذلك وجدتني أرد عليه بغضب: وهل كان لازم يبعثون برقية بالهجوم؟ وين كنت أنت أثناء دخولهم؟ وين البقية؟ وين حماية المنشآت؟ لماذا لم يؤمن المكان وكلكم تعرفون أن الأستاذ مهدد؟
وفجأة سكتُّ··· أدركت ألاَّ فائدة من الكلام فقد وقع المحظور··· وهذا الهارب يجلس في حضرتي باكياً مولولاً ولا أفهم منه غير أويلي عمي ما يستاهل!