كتاب "شهدت إختطاف وطن" يحمل شهادات انسانية سياسية ووجدانية مؤثرة عن واقع مُرّ وأليم مَرّ ويمُرّ به الوطن؛ تقول المؤلفة في مقدمتها للكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب شهدت إختطاف وطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

شهدت إختطاف وطن
الصفحة رقم: 6
رحلة العودة إلى بغداد
كانون الثاني/يناير 2004
وصلت بغداد قادمة من عمّان بعد رحلة شاقة بالسيارة استغرقت أكثر من خمس عشرة ساعة اصطحبني فيها ولدي أسامة وكان قد استأجر سيارتين لنقلنا مع أمتعتنا الكثيرة ومرافقين اثنين لحمايتنا أثناء الرحلة· وقد فوجئت بهذه الترتيبات الغريبة إذ كنا في منتصف الخمسينيات نسافر أطفالاً مع أهلنا في سيارات كبيرة تشبه الباصات عرفت بإسم سيارات نيرِن نسبة إلى الشركة الناقلة من بغداد إلى مصايف سوريا ولبنان مروراً بالأردن لقضاء العطلة الصيفية· وقد اتبع ذلك السياق من قبل العوائل الميسورة للهرب من شدة حرارة الجو أيام الصيف اللاهب حيث تصل درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية نهاراً·
لم تكن ترافقنا حماية أو حراسة من أي نوع رغم ما كنا نسمعه من قصص عن وجود قطاع طرق في منطقة الصحراء الغربية التي تمتد من غرب العراق إلى الأراضي الأردنية والسورية حيث الحدود المشتركة بين تلك البلدان·
أما عن الأمتعة الكثيرة التي حملناها معنا في رحلتنا فكانت عبارة عن أكياس وعلب أطعمة مختلفة تحوي أنواعاً متعددة من كل ما يخطر على البال من مأكل ومشرب كان الأهل والأصحاب قد حرموا منه أيام الحصار الدولي القاسي الذي فرض على العراق بعد حرب الخليج عام 1991· كذلك حملنا معنا صناديق كبيرة للأدوية المتنوعة غير المتوفرة في بغداد بعد أن أشار علينا بانتقائها الأطباء المختصون في لندن·
وعلى ذكر الأدوية فهذه هي المرة الثانية التي يصر أسامة على تعبئة سيارة كبيرة بصناديق الأدوية لأخذها معنا، ذلك أنه كان قد ذهب إلى بغداد قبلي بستة أشهر للالتحاق بوالده، ويومها حمل معه عشرات الصناديق لأنواع الأدوية والمضادات الحيوية والفيتامينات وقام بتوزيعها على المراكز الصحية والمستشفيات العامة وخاصة مستشفى اليرموك التعليمي التي تفتقد إلى الكثير من مواد الإسعاف الضرورية بعد أن تم نهبها وتفريغها تماماً حتى من الأسرّة عام 2003 بعد دخول الأمريكان بغداد·
أما عن أسلوب السفر الحالي إلى العراق فقد كان محكوماً بنظام جديد خاص بتوقيتات الرحلة وخط السير المؤدى إلى بغداد بسبب الخطورة الكبيرة التي قد يتعرض لها المسافرون أثناء الرحلة على يد قطّاع الطرق وعصابات تكونت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان عام 2003، تقوم بالسلب والنهب والقتل أحياناً إن واجهتها مقاومة من المسافرين·
دخلت القوات الأمريكية الغازية بغداد في 9 نيسان 2003 وكل ما يهمها السيطرة على الموارد الطبيعية التي وهبها الله لهذه البقعة من الأرض· لذلك لم تهتم بما له علاقة بأمن البلاد أو سلامة أهلها مما أدى إلى أن يصير العراق أرضاً مشاعة لكل من هبِّ ودب· وكان على المسافر إلى وطنه العراق توفير الحماية الشديدة لنفسه وعائلته ومرافقيه، وكذا حال المغادرين إلى الخارج·
تستغرق الرحلة من عمّان إلى بغداد عادة خلال الأوضاع الطبيعية ما بين 9 - 12 ساعة لكنها وبعد أحداث 2003، صارت تطول إلى أكثر من ذلك بحيث تصل أحياناً إلى يومين·
غادرنا عمّان في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل كي نصل إلى الحدود الأردنية الآمنة حيث مركز الكرامة بعد مسيرة أكثر من ثلاث ساعات قطعنا فيها حوالي 400 كم· وبعد إكمال المعاملات الرسمية في مكتب الكرامة الحدودي داخل الأراضي الأردنية، سارت السيارة مسافة أمتار قليلة حيث مركز طريبيل الحدودي العراقي، وبعد إنجاز أوراق الدخول الرسمية بدأت الرحلة نحو بغداد حيث تبلغ المسافة من نقطة طريبيل إلى العاصمة العراقية حوالي 500 كم تمتد عبر طريق صحراوي موحش·
يفتقد الطريق إلى كل الاحتياجات الضرورية من إضاءة كهربائية إلى أماكن الاستراحة، إلى نقاط الحراسة وغيرها· لذلك صار الطريق خاوياً إلا من محطة أو محطتين يقوم السائق بالتزود فيها بالوقود إن وجد! أما المكان الوحيد الذي يسمح للمسافرين النزول فيه قرب آخر محطة بنزين قبل مغادرتنا الأراضي الأردنية فهو عبارة عن عدد من المخازن التي تبيع الأطعمة والتجهيزات الغذائية المتوفرة، وبجانبها يقع المقهى الوحيد الذي يقدم إفطار الصباح من شاي وخبز وبيض مقلي لا غير·
هذ المقهى هو المكان الوحيد والأخير الذي يؤمه المسافرون لتناول الطعام والاغتسال في حمامات أكل عليها الدهر وشرب ولولا الضرورة لما دخلها إنسان·
بعد غزو العراق عام 2003، صار الطريق من بغداد حتى نقطة الحدود العراقية الأردنية خطراً للغاية وقد تعرض الكثيرون إلى حوادث السلب والنهب والخطف بالإضافة إلى جرائم القتل في بعض الأحيان، مما حدا بسائقي السيارات إلى المسير أثناء النهار فقط للحصول على أكبر قدر من الأمان وفي حالة تأخر إنجاز المعاملات الحدودية إلى آخر النهار بالنسبة للقادمين على العراق، يضطر ركاب السيارة إلى قضاء الليل بطوله داخل السيارة لعدم وجود أي مكان للاستراحة، وحتى شروق الشمس في اليوم التالي كي يواصلوا رحلتهم نحو بغداد، وهذا يعني البقاء في نقطة الحدود يوماً كاملاً!