كتاب "شهدت إختطاف وطن" يحمل شهادات انسانية سياسية ووجدانية مؤثرة عن واقع مُرّ وأليم مَرّ ويمُرّ به الوطن؛ تقول المؤلفة في مقدمتها للكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب شهدت إختطاف وطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

شهدت إختطاف وطن
الصفحة رقم: 7
تسير السيارات بسرعة جنونية وكأن العفاريت تلاحقها· ويقوم السائق عادة بشرح تفاصيل الرحلة قبل البدء بها ليكون المسافرون على دراية تامة وتأهب نفسي لها لا سيما فيما يتعلق بموضوع السرعة القصوى· ولا يمكن لأي إنسان أن يتصور عمق ذلك الإحساس بالخوف لدى المسافر خلال ساعات الرحلة الطويلة المملة ما لم يعشه فعلياً·
الكيلو 160 هي المنطقة الأشد خطورة طوال الطريق حيث المسافة المتبقية من الطريق تبلغ 160 كم للوصول إلى بغداد· وفي هذه المنطقة تكثر عمليات السلب والخطف وعند الوصول إليها يزيد السائق من سرعة سيارته إلى أقصى ما يستطيع كي يدخل بغداد قبل العصر عن طريق منطقة أبو غريب، ليتفادى قطاع الطرق المنتشرين في المنطقة·
كذلك يفضل دخول بغداد قبل أن يرخي الليل سدوله لتفادي السيطرات الوهمية التي تنتشر في أحياء العاصمة وبسبب حوادث القتل والخطف المستمرة سميت طريق الرحلة بطريق الموت!
وهنا يجب أن يسجل التاريخ الحديث أول مكسب للوطن بعد احتلاله من قبل الأمريكان - صارت حياة الإنسان أرخص من نفاية!
كانت الرحلة أطول رحلة في حياتي رغم أسفاري الكثيرة على مر السنين، ولم تكن كغيرها من الرحلات على الإطلاق، فالخوف رائدها ويسيطر على كل من في السيارة ابتداء من سائقها إلى ركابها· أما المرافقون من الحراس فتراهم متأهبين طوال ساعات الرحلة الشاقة المملة وقد استغرقت يومها أكثر من خمس عشرة ساعة· هم متأهبون وكأنهم مقبلون على حرب مرعبة مع الوحوش·
لم تكن أوقات السفر محددة أو ثابتة كما هو معمول به في أنحاء العالم، ذلك أن الرحلة البرية إلى العراق تتأثر بالكم الكبير للسيارات القادمة أو المغادرة، وقد تصل مدة انتظار الدور للدخول إلى مكتب الجوازات الحدودي عدة ساعات تعقبها ساعات أخرى في انتظار إتمام ختم الجواز من قبل موظفي المكتب، أضف إلى ذلك عملية تفتيش السيارة بمحتوياتها وخصوصاً بالنسبة لمغادري العراق من قبل موظفي الجمارك والتي قد تطول وتتعقد لاسيما إذا أصر المفتش على إجراء التفتيش ببطء ولمرات متكررة للتأكد من عدم وجود مواد مهربة، علما أن التهريب كان قائماً على قدم وساق ومن قبل أناس ذوي سطوة ونفوذ· فقد تم إخراج الغالي والنفيس إلى خارج العراق بواسطة الرحلات البرية هذه، حيث هربت كثير من الأعمال الفنية من لوحات وتماثيل لفنانين عراقيين كبار معظمهم من رواد الحركة الفنية في البلاد· علماً أن هناك أفراداً من الفنانين المقيمين في الخارج ساهموا على قلتهم مساهمة فعالة في هذا الإنجاز التاريخي الموسوم، وأقصد إنجاز تهريب الأعمال الفنية لاسيما اللوحات المرسومة·
كانوا يرسلون العملة الصعبة إلى أفراد يتعاملون معهم حيث يقوم هؤلاء بشراء الأعمال بأثمان بخسة بسبب انهيار سعر الدينار العراقي الذي بلغ يومها 1500 دينار للدولار الواحد بعد أن كان الدينار الواحد يعادل ثلاثة دولارات ونصف في الثمانينيات وقبل عاصفة الصحراء عام 1991!
أضف إلى ذلك فإن حوادث السرقة التي صاحبت احتلال بغداد في نيسان 2003 والتي تعرضت لها المتاحف ودور الثقافة بالإضافة للوزارات أوصلت تلك المقتنيات إلى من لا يعرف قدرها وكانت تباع على أرصفة شوارع العاصمة في الأيام الأولى للاحتلال بمبالغ تافهة· ولست هنا بصدد ذكر أسماء هؤلاء الفنانين ولا أسماء السماسرة الذين تعاونوا معهم، لا ولا أسماء تجار الحروب الذين ساهموا مساهمة فعالة في إخراج ثروة البلاد العظيمة إلى الخارج، بل يكفي أن أسماءهم معروفة وسيلعنها تاريخ الحركة الفنية العراقية الرائدة·