عمر والحسين وجهان لمنهج إسلامي أصيل - روح استشهاد لبناء دولة الحق وهدم الباطل
أنت هنا
قراءة كتاب عمر والحسين وجهان لمنهج إسلامي أصيل وروح استشهاد لبناء دولة الحق وهدم الباطل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

عمر والحسين وجهان لمنهج إسلامي أصيل وروح استشهاد لبناء دولة الحق وهدم الباطل
الصفحة رقم: 6
دم عثمان بن عفان
يعتبر استشهاد عثمان ودمه الذي أهدره الغلاة الذين تمردوا على الخليفة ثم حاصروا المدينة عاصمة الخلافة ثم قتلوه منعطف خطير في تاريخ الإسلام، فتح باب الانشقاق والاختلاف والحروب الأهلية بين المسلمين، كما يعد قميص عثمان الذي اشتهر في التاريخ حتى أصبح مثلاً عالمياً سواء في الشرق أو الغرب، يرمز للمطالبة بدم القتيل والاقتصاص من قتلته وسبباً لنقد الحاكم والخروج عليه، فد خرج على الخليفة علي العديد من الأشخاص والقادة والولاة والتيارات، بسبب المطالبة بدم عثمان والقصاص من قتلته وكانت معركتي الجمل وصفين، قد وقعت بسبب مقتل عثمان وما أثارته من فتنة عاتية بين المسلمين، أدت إلى الاضطراب السياسي والفتن والحروب الداخلية وتوقف عمليات الجهاد الإسلامي والفتوح في جهاتها الأربع، وانشغال الخليفة بهذه الأحداث والفتن والاضطرابات، ونقل مركز الخلافة من المدينة إلى الكوفة في العراق، فكان عثمان أول خليفة وقائد مسلم يقتل عمداً بعد محاصرته من قبل مجموعة تحالفت على الشر، يدفعها الجهل والظلم والسذاجة، وتقودها خفية القوى المعادية والمتآمرة على دولة الإسلام من اليهود والمجوس والروم والغلاة وغيرهم من أهل النفاق والمصالح، لزعزعة كيان الدولة الفتية بقتل واستئصال رموزها وقادتها، بعد خلق وتضخيم المبررات لهذا العصيان المسلح، فإذا كان مقتل عمر قد تم نتيجة تآمر أفراد قلائل على شخص الخليفة وقتله في المسجد النبوي، فإن مقتل عثمان قد تم وفق تآمر قوى وتيارات وجموع من الغوغاء الواقعين تحت تأثير حفنة من العملاء والأعداء. مستغلين الظروف المواتية التي مرت بها دولة الخلافة الراشدة بعد أن أصبحت مترامية الأطراف، فحاصروا العاصمة ثم قتلوا الخليفة عثمان بعد حصاره اثنين وعشرين يوماً، مستغلين موسم الحج وخلوّ المدينة من الحماية، واطمئنان الناس إلى موسم الحج، فلم يشعر الصحابة الموجودون في المدينة حتى وصلهم نعي الخليفة وخبر مقتله في بيته بتلك الصورة البشعة، فبهت الناس ولم يعرفوا ما يفعلون، وقد احتل القتلة المدينة بعد مقتل الخليفة، ويذكر المؤرخون إنهم جاءوا من البصرة والكوفة ومصر، وان عددهم يصل إلى عشرة آلاف رجل من الأعراب والموالي وغيرهم، ولكي نكون على بينة من الظروف التي سبقت مقتل عثمان، سنحاول استعراض بعض الأحداث الأساسية التي سبقت تلك الفتنة الرهيبة.
لقد شهد عهد عثمان في آخره، نوعاً من الاضطرابات والخروج والفتن. بعد أن كان عهده عهد فتوح واستقرار ورخاء خلال النصف الأول من حكمه الذي دام اثنتي عشرة سنة، وكان مصدر هذه القلاقل والفتن جموع من البصرة والكوفة ومصر، معترضين على عدة أمور في سياسة عثمان، ويجمع المؤرخون على أن ذلك الخروج كان يضم فيما يضم بعض رؤوس الغلو والنفاق من أعداء الإسلام، وبتخطيط ومتابعة من اليهود والمجوس والروم وخططهم الخفية، وكان على رأس هؤلاء رجل يهودي يدعى عبد الله بن سبأ، أصله من اليمن، تظاهر بالإسلام وركب موجة الخروج على الخليفة وأثار الفتنة، وهي خطة سبق أن نفذها اليهود مع النصارى بعد عصر المسيح ، حيث ظهر شاؤل اليهودي (وهو بولص) بعد وفاة المسيح وادعى إلوهية المسيح وقيامه بعد وفاته وأنه رسول بعثه المسيح لهداية النصارى وغيرهم من أهل فلسطين والشام والعالم، وقد نجح اليهود في ذلك التآمر واستطاعوا أن يدخلوا في العقيدة المسيحية الكثير من البدع والعقائد الغريبة على رأسها عقيدة تأليه المسيح واعتباره ابن الله، والإله المجسد بشكله البشري لهداية الناس، فقالوا باجتماع اللاهوت والناسوت في شخصية المسيح وغيرها من المستحدثات والاختلاقات على الدين الحق الذي جاء به السيد المسيح في الإنجيل. في حين أن اليهود فشلوا في تآمرهم على الإسلام بمحاولة بث العقائد السيئة وتأليه الإمام علي وذريته من بعده والغلو في الدين، وإثارتهم الفتن ومحاولة تحريف القرآن والقضاء على رسالة الإسلام.. رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها لإثارة الفتنة والحروب بين المسلمين، حيث نجحوا في ذلك جزئياً..
ورغم أننا لا ندعي أن هذه الفتنة كانت بتفاصيلها من صنع هذا اليهودي وأعوانه، فان للفتنة أسباباً عديدة، غير أن إنكار وجود ابن سبأ - كما حاول المستشرقون في العصر الحاضر القول به وتابعهم بعض الكتاب من المستغربين وبعض والشيعة المعاصرين، على الرغم من إجماع علماء السنة والشيعة على وجوده ودوره في الفتنة في زمن عثمان وعلي - لا يقل شططاً من تضخيم دوره وأفعاله أفعاله، وجعله السبب الأوحد لهذه الفتنة الكبيرة التي أدت في النهاية إلى مقتل الخليفة نفسه، وإلى انقسام المسلمين إلى طوائف وفرق متناحرة ومتصارعة.
لقد كان مقتل عثمان بداية تصدع عصر الوحدة والأخوة والتلاحم بين المسلمين ولا شك إن من بين أسباب مقتله الرئيسية ودوافعه وجود تلك الأصابع الخفية، من بقايا الأنظمة التي قضى عليها الإسلام في فارس والروم، وحقد أصحاب العقائد المقهورة أمام قوة الإسلام المتعاظمة ، ولا شك إن هناك أسباباً أخرى منها، التطور السريع في المجتمع الإسلامي ونموه السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد توسع الفتوح ودخول شعوب عديدة في دار الإسلام، كما أن للأخطاء البشرية التقليدية لبعض الولاة دوراً في تفاقم الأزمة واستفحالها. ومن ثم انتهائها بتلك الصورة المخيفة التي أتت على استقرار النظام السياسي للدولة، الذي استمر أكثر من ربع قرن. أما الفرقة والتطرف والعصبية فما يزال أثرها لحد الآن، وصدق عثمان حين تنبأ أثناء حصاره، أن قتله سيفتح باب الفرقة والتحزب. فعن أبي ليلى الكندي قال: شهدت عثمان وهو محصور، فأطلع من كوته وهو يقول: يا أيها الناس لا تقتلوني فو الله لئن قتلتموني لا تصلّون جميعاً أبداً. ولا تجاهدون عدواً جميعاً أبداً، ولتختلفن حتى تصيروا هكذا، وشبك بين أصابعه، ثم قال: يا قوم لا يجرمنّكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح، وما قوم لوط منكم ببعيد( ).