قراءة كتاب صائب والبلاد المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صائب والبلاد المقدسة

صائب والبلاد المقدسة

في رواية "صائب والبلاد المقدسة" يخلص نص سليمان لمكان محدد ( مدينته حيفا التي يعيش ويبدع فيها ) ويقفز نحو زمان مجرد مسوّر بنزعة أبوكالبتية داخل حقل خصب من الميتافيزيقيا.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
- “لا بدّ أنّي كنت نائمة·”
صمتنا بعض الوقت· نظرتُ إليها محاولاً أن أجد طريقةً تمكّنني من إخبارها بالسبب الحقيقيّ لقدومي· كانت تتفادى النظر إلى عينيّ، مشيحةً بنظرها إلى ملابسي وإلى كل ما كان حولي·
- “هل تريد أن تعرف ما هو الكتاب الذي كنت أطالعه الآن؟”
- “بالتأكيد، لم لا، حدّثيني عنه!”
- “إنّها رواية بعنوان “نهاية علاقة غراميّة” وقد بدأت لتوّي قراءتها· يبدو الكتاب مشوّقاً للغاية·”
- قلت: “نعم، إنّه كذلك بالتأكيد·”
تناولتْ لاريسا الكتاب ونظرت إليه برهةً ثم قالت: “هل ترغب في إلقاء نظرة عليه؟”
“لا، ليس الآن·” صمتُّ لحظةً ثم قلتُ: “لاريسا، إسمعيني، لقد أتيت إلى هنا لغاية ما· لديّ شيء أعتقد أنّ عليك أن تأخذيه·”
إبتسمت لاريسا: “هديّة، ياه، لم يكن هناك داعٍ لها يا صائب· إنك لطيف جدّاً، إنني أتذكّر آخر هدية قدّمتها لي، أنظر، لقد وضعتها هنا·”، قالت وهي تشير الى الزهرية على الرفّ·
سدّدت نظري نحوها وقلت: “لا، إنها ليست هدية، بل معي مسدّس لك يا لاريسا، إنّه مسدّس·”
ثم أخرجت المسدس· رمقتني لاريسا بنظرة عدم رضا وأنا أمشي لأضع المسدّس على المكتب بين كل الأوراق المبعثرة· جلست من جديد وقلت: “إستمعي إليّ، قد تحتاجين إلى المسدّس لكي تحمي نفسك، وإنني أتمنّى، صدّقيني، إنني أتمنّى ألا تضطري لاستخدامه أبداً طوال حياتك، ولكن نظراً لواقع الحال الذي نعيش فيه، يجب أن يكون دائماً على مقربة منك، خاصةً عندما تذهبين إلى السوبر- ماركت أو إلى أيّ مكان خارج هذا البيت·”
تجمدت لاريسا في حالة صمت مطبق· ظلّت تنظر إلي بطريقة غريبة فيها مزيج من الخوف والحزن والكره والبراءة· لقد جعلتني نظرتها أشعر بأنّني وحش يحاول أن يقنع هذا الملاك بأن يكون عضواً في عصابته الإجراميّة·
جلتُ بناظريّ بينها وبين النافذة، ثمّ تركّزت عيناي على المسدّس· كان يرقد هناك بين كل تلك الأوراق والمقالات العلمية حول علم الاجتماع وعلم الأجناس، وهي التخصّصات التي كانت لاريسا تدرسها في جامعة حيفا قبل اندلاع الحرب الأهليّة· لقد كان المسدّس صغيراً جدّاً· كان أنيقاً وأنثويّ الشّكل·
لم تحرّك لاريسا ساكناً· فواصلتُ حديثي: “عليك أن تحمي نفسك، لا يمكنك أن تعرفي ما قد يحدث، يمكن أن يهاجمك مجرم فارّ بسكّين، أو أن يشهر مسدّساً بوجهك؛ أنت تعرفين كيف أصبح الحال هنا· إنها فوضى عارمة، الحرب اندلعت وأصبح الجميع مستهدفين، رجالاً ونساء، الكلّ مسلّح، والناس يموتون كل يوم في الشّوارع وحتى في منازلهم؛ أنا لا أقترح عليك أن تقاتلي في هذه الحرب المريعة، ولكن فقط أن تصبحي قادرةً على الدفاع عن نفسك· لاريسا، هل تصغين إليّ؟ قولي شيئاً بالله عليك”
جلست وأنا أنظر إليها· نهضت القطّة ببطء وخرجت من الغرفة· نظرت لاريسا خارج النافذة ثم نهضت من سريرها والتقطت الكتاب، وجلست ثمّ فتحت الكتاب وبدأت تحملق فيه،
- “لاريسا، هل ستتغاضين عن هذا الموضوع هكذا؟”
- “دعني وشأني!”، صرخت في وجهي: “أخرج من هنا!”
نهضتُ متباطئاً· ثمّ فجأة، وبينما كانت لاريسا ما تزال تمعن النظر في الكتاب، جحظت عيناها، وهمست: “لقد أصبحتَ واحداً منهم، أليس كذلك؟·”
كانت الإضاءة الجانبية من فوقها موجّهة إلى ظهر رأسها· بدا الظلّ المنعكس على الأرض كما لو أنه شكل مكبّر لوجه رجل عجوز ذي بشرة مجعّدة وأنف طويل ومدبّب· دُرتُ حول نفسي ونظرت إليها بينما واصلت هي حديثها: “إنّك مجرّد واحد مثلهم، أنت مثلهم تماماً الآن· لم أكن أعتقد أبداً أنّك ستصبح واحداً منهم· لقد بدوتَ مختلفاً، بدوت كإنسان·”
جلستُ على الكرسيّ، وقلت: “نحن كلّنا مختلفون، كلّنا بنو آدم، لكن علينا أن نحافظ على حياتنا في هذه الظروف الصعبة·”

الصفحات