قراءة كتاب صائب والبلاد المقدسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صائب والبلاد المقدسة

صائب والبلاد المقدسة

في رواية "صائب والبلاد المقدسة" يخلص نص سليمان لمكان محدد ( مدينته حيفا التي يعيش ويبدع فيها ) ويقفز نحو زمان مجرد مسوّر بنزعة أبوكالبتية داخل حقل خصب من الميتافيزيقيا.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
- “وأنت، رجل الدين، كيف يمكنك أن تكون جزءاً من هذه المؤسّسة الفاسدة؟”
 
- نظر عمّي إليّ وقال: “أنا لست جزءاً من هذه المؤسّسة·” “إنني جزء ممّا هو أبعد منها، جزء مّما يفترض عليها أن تمثّله، من الأسس التي ترتكز إليها، من ال···”
 
- “أنت مثالي” قاطعته· “لا يمكنك أن تفصل الدين عما يرتكب باسمه· إنّ هذا كلّه نفس الـ··· كنت سأقول “الهراء”، لكنني تذكّرت أنني كنت أتحدّث إلى قسيس، ولهذا قلت “الفساد·” أخذ عمّي نفساً عميقاً ثمّ قال: “أنت مخطئ، أنظر حولك، كلّ ما يقوم به الناس وما قاموا به دائما كان الفصل بين المثاليّ والواقعيّ· هذه أكثر صفة إنسانية على الإطلاق· لقد فشلنا في تطبيق الأيديولوجيات على أفعالنا اليومية لأننا لا نستطيع إلا أن نفرّق· نحن لسنا سوى بشر· إنّنا مزيج من الطيّب والسيّئ· لم نتمكّن أن نكون قديسين أو كاملين مذ طُردنا من جنّات عدن·”
 
- قلت: “نعم”، “ولكن عندما نعطى المسؤوليّات فمن المفترض أن نكون على قدرها· يجب على العلماء أن يكتشفوا، وعلى الجنود أن يحاربوا، وأنت يجب أن ترتدي زيّ الكنيسة وأن تكون على مستوى القدسية···”
 
- قال: “يجب أن تفهم أن الزي هو فقط ما ترتديه في الخارج؛ إنّ الزي الحقيقي الوحيد لنا هو جلدنا· فالرّوح لا ترتدي أيّة أثواب· هذا ما يجب أن نصبو إليه، أن نتخلّص من أثوابنا المادية التي تغطي أجسادنا· عندما ارتكب آدم وحوّاء الخطيئة وأكلا من الشجرة المحرّمة، شعرا بالاستحياء، وبغياب الأمن، ولهذا لبسا أوراق الشّجر ليخبّئا روحهما الحقيقية، لقد ارتديا زيّاً، والقصد من كل الأزياء هو الخداع، الاختباء من الحقيقة، تقليد الكمال، تقليد الله· ولكن ما يثير السخرية هو أن الله لا يُقلَد، ومن خلال تقليد الكمال فإنك تفقد الشبه مع الكمال نفسه عندما تفصل ذاتك عن روحك· عندها تصبح مخلوقاً محدوداً ونحن لم نخلق لنكون محدودين· يصبح بالإمكان تعريفك من خلال مظهرك الذي تختاره ولكنك تفقد حرّيتك· أنت تفقد حرّيتك لأنّه لحظة تقوم بالاختيار فإنّك تفقد حرّيتك باختيار بديل ما، وتصبح رهين خيارك· تصبح جزءاً من شيء غير ذاتك·”
 
نظرت إليه بعد أن حاولت تفادي النظر إلى عينيه للحظة، ثم قلت: “لكننا جميعاً جزء من شيء أكبر منّا، إنّنا جزء من الطبيعة، من البشرية، من المجتمع، وإذا كان هناك إله، فإنّني أعتقد أنّنا جزء منه· إنّنا مرغمون على الاختيار وعلى الالتزام بخياراتنا· نحن نختار أن نلتزم بها لأننا على وعي بهذا منذ البداية· إننا أحرار لأننا قادرون على الاختيار·”
 
هزّ رأسه بالموافقة وقال: “إنّنا كذلك، أنت على حقّ، إننا جزء من الله، ولكنك مخطئ عندما تعتقد بأنّ القدرة على الاختيار هي حرية· إن القدرة على الاختيار هي في الواقع ما يكبلنا ويفسدنا، ذلك أننا نختار لأسباب ودوافع خاطئة، فنحن مجرّد بشر· بإمكانك أن تسميها حرية اختيار، لكن لكوننا مجرّد بشر فإنّني أسميها عبودية·”
 
لم أجد ما أردّ به، لأنّني شعرت كما لو كنت سأجادل من أجل الجدال وليس لأنّني كنتُ فعلاً غير متّفق مع ما قاله· وفكّرتُ بأنّ بعض ما قاله كان صحيحاً· ولكنني لم أستطع أن أوافقه الرأي تماماً لأنّه كان ذا مواقف قاطعة بالنسبة للأمور، وأنا ما كنت أبداً لأوافق على مواقف قاطعة·

الصفحات