أنت هنا

قراءة كتاب أبي لا يجيد حراسة القصور

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبي لا يجيد حراسة القصور

أبي لا يجيد حراسة القصور

تشكل المجموعة القصصية، انعطافاً نحو عالم داخلي، فهي تؤشر بعبثية لزلاّت الحياة قبل أي شيء آخر، وبقدر ما تنبش في واقعٍ نتفادى التحرش به، بقدر ما تشفّ لتكشف ضعفَ الإنسان حين تتطلب الحياةُ قوةً وصلابة، وجبروته حين تقضي الحاجةُ رفقاً وليناً.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
» أبي لا يجيد حراسة القصور
 
إلى صاحب الرّقم العسكري 16063
 
دخلتُ عالماً جديداً منذ أن وضعوا البندقيةَ على كتفي وقالوا لي مبروك، صرتَ مؤهلاً لما أعددناك له، منذ الغد، ستنطلقُ مع رفاق السلاح للمهمّة الكبيرة الّتي أوكلناها لكم، نحنُ نعوّلُ عليكم الكثير.
 
بقيتُ سارحاً ليلتها، أفكّرُ في كلّ الأيام القاسية التي مررنا بها أثناء التدريب؛ كيف أمضيت ورفاقي العسكر أيّاماً طويلةً تحت المطر! وفي الوحل، كم من ساعات أفنينا في لهيب الصحراء! كم من المسافات زحفنا! وكم ناراً مشتعلةً اجتزناها ببسالةٍ دونَ أن يرفَّ لنا جفنٌ! لا بدّ أن المهمةَ التي ستناطُ بنا عظيمة؟ وإلا فلمَ أخضعونا لمثل هذا التدريب الشّاقّ، إن لم يكن ثمّة معركة مصيرية تنتظرنا على الأبواب!
 
كنتُ الأبرزَ بين زملائي، لم أُخطئ يوماً تصويبَ طلقة، لم يسبقني أحدٌ في الجري أو التّمارين، أو يتفوّق عليّ في امتحان، كانت أرضُ الميدان ترتجُّ تحت قدميّ، وأنا أقودُ طابورَ العسكر صائحاً بأعلى صوتي: مُعععععتدل سِر.
 
لم أمرض يومًا، ولم أتغيّبَ عن أيّ حصّة تدريب، كنتُ دائماً حاضر الذّهن ومتّقد، ومهيّأ للمعركة المصيرية الّتي أنهكونا تدريباً لأجلها.
 
في ذاك النهار الموجع، استيقظتُ باكراً كعاداتي، جريتُ عدةَ كيلومترات، أخذتُ حماماً ساخناً وحلقت ذقني، ثم لبستُ بذلتي العسكرية، ووضعتُ البندقيةَ على كتفي ومضيتُ نحو الطابور. كنّا عشرين فرداً، تفيضُ أجسادهم حيويةً وشباباً، اصطففنا في طابور مهيب، وبعد أن تفقدوا هندامنا، أمرونا بالتحرك والصعود إلى الباص بانضباط.
 
سارَ بنا الباص كيلومترات طويلة إلى أن وصلنا قلبَ المدينة. كانت المسافةُ الفاصلةُ بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول، كخيطٍ لا معنى له امتدَّ بين عالمين غريبين.
 
في تلك البقعة، حيثُ ينقلب اللّونُ الأصفر الّذي اعتادته العين سنوات طويلة، ليصبح فجأةً أخضر يانع، كنا قد تركنا ورائنا صحراء المعسكر ورمالها تعبثُ في كل شي، ودخلنا ضواحي مدينة لم يسبق لي أن رأيتُ مثلها في حياتي.

الصفحات