المجموعة القصصية "صهيل الأسئلة" الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
قراءة كتاب صهيل الأسئلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

صهيل الأسئلة
الصفحة رقم: 1
طريق دار العجائب
ما كانت تتصوّر للحظة وهي تراه قادماً نحوها يصفّر ويدندن ثمّ يتوقّف قبالتها ليسألها بلطف إن كانت تعرف الطريق إلى نهج الأقحوان أن يعمد أثناء استغراقها لثوان في التفكير إلى انتشال قلادتها الذّهبية واللوذ بالفرار·
كان يسير على نفس ناصية الشارع الذي تمرّ منه ساهمة ولم يكن أيّ شيء في مظهره يدعو إلى الريبة والحذر بل كانت هيأته الأنيقة تبعث على الاحترام والطمأنينة وتوحي بيسر الحال·
تدقّها صفعة يده فتشعر كما لو أن عظام صدرها قد تخلخلت، تشلّها الدهشة لحين ثم لا تلبث أن تستفيق من خدر الصدمة وتستدير نحوه صارخة بحنق قلادتي، قلادتي أيها اللص
يوقد الغضب قواها فتندفع نحوه تلاحقه وتمعن في صراخها العصبي· يخرج الناس من الدكاكين والبيوت وورشات الميكانيك الموجودة على ناصيتي الشارع وينتصبون واقفين على طوله يرقبون المشهد بذهول غريب·
كانت أسرع ممّا كان يتصوّر، فقد استطاعت في لحظات قليلة أن تقترب منه وتربك خطاه· ربّما لم يضع في حسبانه أن امرأة يمكن لها أن تطارد لصاً بكلّ ذلك الإصرار·
جعل يجري وفق خطّ متعرّج· تخرج الشمس من مخبئها وتحطّ فوق الرؤوس· يسقط شلال من ضوئها على سحنته المتعرّقة فيبرز لمعان قلادتها الملفوفة في حرص حول أصابعه الملتوية وقد تدلّى منها ذلك اللوح الذهبي الصغير الذي رسم على أحد وجهيه برج بابل العظيم ويَرْمز إلى موطن زوجها بينما رسمت على الوجه الثاني قبّة القدس· كانت القلادة هديّة زوجها إليها ليلة زفافهما وهي كلُ ما جلب معه من ثروة لدى مغادرته للعراق إثر اندلاع الحرب فيه وقد آثر أن يتركها في حوزته على أن يبيعها بثمن بخس يخوّل له العيش عدة أيام أُخر وسط حصار عرف أنه لن ينتهي بسرعة وسهولة وعلى امتداد سني عمرها كانت تفقد باستمرار ما تملك من حلي ولم تكن تحزن طويلاً لذلك أو تأبه بقيمة ما فقدت ولكن هذه المرّة أحسّت وكأن روحها قد انتزعت منها على حين غفلة·
تقترب من اللص وهي تكزّ على أسنانها، تمدّ يدها نحوه، توشك أصابعها أن تقبض عليه، يدور بها على شكل لولبيّ وفي لحظة تنثني قدمه اليمنى ويفقد توازنه فتتمكن من الإمساك بطرف قميصه، تحكم قبضتها عليه فتتعطّل خطواته ويرتفع القميص عن ظهره الأسمر·· يحاول التملّص من قبضتها القويّة فلا يقدر·
ينجذب النّاس حولهما كالنحل ولكن لا أحد يتقدم لنجدتها· كانوا مذهولين كما لو أن عقولهم قد طارت عنهم·
تنخرط مرّة أخرى في موجة صراخ عصبيّ وكأنها تلحّ بضراعة في طلب العون : أيّها اللص، هات قلادتي
وعلى حين غرّة يستل سكيناً من جيب خفّي في بنطاله· يلتفت نحوها ويشهره في وجهها· تشعر بحفيف أقدام الناس وهم يتراجعون إلى الخلف، تتعالى من حولها أصوات منبهة:
- تراجعي· إنّه مسلح·
- أيّتها الحمقاء سيشوّه وجهك·
- أنت الأضعف، كيف تجرئين ؟
- يا لها من امرأة عنيدة !