المجموعة القصصية "صهيل الأسئلة" الصادرة عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
قراءة كتاب صهيل الأسئلة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

صهيل الأسئلة
الصفحة رقم: 5
هل تراك تنتقمين لنفسك لأنهم توقّفوا عن المقاومة واستسلموا للقهر ؟ أم تراك قد استلبت بدورك وأنت تلمحين تلك الشاحنات التي قدمت محمّلة بأطنان من مواد البناء وكدّستها على تربتك الطريّة ولم تلبث الحفارات أن اخترقت صدرك وطُعنت أحشاؤك الخصبة بالحديد والإسمنت فغرقت في صمت عميق ظلّ يعذب ذاكرتي ؟
***
شغّل الشرطيّ محرّك المروحة الكهربائية ثم رمى بنفسه على كرسي خشبيّ قديم وهو يقول بنبرة متثاقلة:
- ما هي أوصافه ؟ هل تذكرينها ؟
- إنه شاب في العشرين من عمره تقريباً برونزي البشرة معتدل القامة يميل قليلاً إلى النحافة مع ارتفاع لافت في مستوى الصدر·
قاطعها قائلاً وهو يفتح سجلاً كبيراً في حين شرع مساعده في تثبيت الورقة بين طيّات الآلة الكاتبة استعداداً لتسجيل محضر الشرطة:
- إننا بهذا الشكل سنقبض على ثلثي شبان العاصمة· من فضلك حدثيني عن العلامات البارزة في هيأته يعني إن كان مثلاً شائك الشعر أو يحمل وشماً على زنده أو يشق وجهه أثر لسكين· فكرت بعمق ثم قالت بثقة:
- لا يا سيدي، إنه لا يحمل أيّاً من العلامات التي ذكرتها·
- سيكون من الصعب علينا أن نعثر على لصّ بمثل هذه الأوصاف التي قدمتها· إننا نعرف كل لصوص الأحياء القريبة وليس هناك من يحمل تلك الملامح المترفة·
- لعلهم قدموا من حيّ بعيد· أعتقد أن اللصوص يغيّرون باستمرار مواقع عملهم وأخطرهم من جعل مظهره أنيقاً ومسالماً·
- على كل حال سنحاول الإمساك بتلك العصابة وسنعيد لك قلادتك حالما نعثر عليها ولكن قولي· ما هو سبب مرورك في تلك الظهيرة الحارة بذلك الشارع وأنت تقيمين بحيّ بعيد وراق·
- كنت في طريقي إلى بيت والدي الذي يقع عند نهايته بعد أن قابلت أحد السماسرة ليبحث لي بذلك الشارع عن منزل أنتقل للسكن فيه·
يقهقه معلّقاً :
- إذا كنت قد نشلت وأنت تمرّين بذلك الطريق فكيف لو نقلت بيتك بأكمله إليه ؟ أنصحك بأن تستمري في الإقامة بذلك الحي الراقي إنه بعيد على الأقل عن الأحياء الشعبية حيث يكثر اللصوص·
تشيح بوجهها جانباً وكأنها تبعد عن خيالها شبح الفكرة التي اقترحها· لقد قررت أن تترك تلك المنطقة التي انتقلت للسكن فيها بعد زواجها ولن تتراجع عن قرارها مهما كانت الأسباب·
كانت تعتريها رغبة مبهمة في التقيؤ حالما تطلّ برأسها على تلك العمارات الشاهقة التي تملؤها وكثيراً ما كانت تجلس في شرفة شقتها المعلّقة بالطابق الثامن تحاول أن تحجز دمعها الفائض بجفونها وهي تستعيد ذكرياتها القديمة·· هنا، حيث لا ضجيج ولا ضربة مدفع تعلن عن موعد الإفطار ولا أذان يوقظ الناس للصلاة ولا ثغاء خروف يتناهى إلى مسمعها في عيد الأضحى ولا حتى تحية ودّية تتبادلها مع جاراتها· كانت تراهنّ في أماسي الصيف الحارّة ينزلن الدرج وكأنهن لسن أكثر من عطر متحرّك·
بالكاد ترفع إحداهن رأسها فتبادلها ابتسامة حذرة وتمضي مسرعة·