"تراتيل الوأد" رواية تناولت واحداً وأربعين يوماً من حرب الخليج الثانية. إحتلال الكويت عام 1991. وتأثيراتها على العراقيين البسطاء الذين حشرتهم الأقدار بين رحى الحروب الطاحنة والحصارات المركبة من جهة ورحى المصالح الفردية على حساب إنسانية الآخرين من جهة أخرى.
أنت هنا
قراءة كتاب تراتيل الوأد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
* زيدان خلف
أجفلت المرأة في الفراش عندما طرق علينا الانفجار الأول الأبواب والشبابيك كلها، ولم تحتضنّي متخابثة كما كانت تفعل في أيام قريبة، مضت، اعتدلت مذعورة حقاً·
- بدأت !
قلت لها آسفاً وأنا أبحث، في ظلام الغرفة، عن سجارة قمت بلف تبغها الردىء قبل أن أنام، ودوّى الانفجار الثاني قبل أن تسألني متظاهرة بالهدوء : - أحقاً سنموت؟!·
ولم أرد لها·
كانت نبرة صوتها مخلصة، مندفعة، أكثر مما كنت قادراً على احتماله في تلك اللحظات، مفعمة بضراعة، تعتري المحتضر من أجل لحظة أخرى من الحياة، سمعت الكثير منها في خنادق القتال، في الحرب الماضية، لذا شعرت بعجز مطلق عن الكلام·
وكان ضياء السماء الخافت، يتسلل عبر زجاج النافذة من بين الستائر قادماً من مكان ما، من الزقاق، ينعكس على جسدها الجميل مثلاً طلاء فضي حي على جسدها الذاهب بخطى مضطربة نحو الغرفة (الأخرى)· وأطلقت ضحكة ساخرة مرّة، دون شك، عند الانفجار الثالث الذي امتص رغبتي المفاجئة اللعينة، أغمضت عينيّ وأخذت نفساً عميقاً، عميقاً، من التبغ الردىء الذي لم أعتده بعد، فيما كان شعور مبهم يراودني، وربما أمنية صغيرة، أن هذه الحرب بعيدة، بعيدة، ولكن الانفجار الرابع كان أقرب ممّا كنت أتمنى· اذ انتفضت من تحتي الأرض وجنّت الشبابيك والأبواب في فراغاتها الصغيرة بضجة مرعبة·
وأحسست بأن للظلام ثقلاً ولزوجة، تماماً كما في خنادق القتال العتيقة، التي تمنيت ان أنساها الى الأبد، فأغمضت عيني ثانية، مجتراً خيبة أملي، كي لا أرى الظلال المدهشة الباعثة على الارتياب لأشياء الغرفة التي كانت تشرب وهج سجارتي ببرود عجيب، فيما كانت أصوات الطائرات المغيرة تثير في نفسي التقزز والأسى·