يسعى هذا الكتاب (المدخل) إلى تقديم رؤية نقدية تنتصر لما هو جمالي فني في أدب الأطفال، فالأسلوب في أدب الأطفال ينبغي أن يُعطي الأهمية الأولى التي تليها أهمية المضمون، علْماً بأن النص الأدبي سواء أكان موجّهاً للأطفال أو للكبار إنما هو وحدة واحدة متكاملة من الف
أنت هنا
قراءة كتاب التشكيل الجمالي في أدب الأطفال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
غياب النقد الفني لأدب الأطفال
يعاني أدب الأطفال في الدول العربية من نقص ملحوظ في النقد التطبيقي المواكب له، المقيّم لاتجاهاته، والمقوّم لأساليبه الفنية، فالنقد الفني لأدب الأطفال يكاد يكون غائباً وغير فعّال، وقلّما يُشار إلى أهميته في تطوير أدب الأطفال والوصول به إلى أفضل صورة ممكنة، ويتوقع أن مردّ هذا الغياب ما يأتي:
- حداثة أدب الأطفال في الوطن العربي، إذ لا يزيد الحضور الحقيقي لأدب الأطفال في نظام التعليم العربي على سبعين عاماً، وذلك عندما انتبه المربّون إلى أناشيد أحمد شوقي على ألسنة الحيوانات فانتشرت في كتب اللغة العربية المدرسية، وإلى قصص الكيلاني في أبعادها التعليمية الأخلاقية. ومع ازدياد الاهتمام بأدب الأطفال بصفته مادة تعلمية تربوية مهمة تسهم في بناء شخصية الطفل وإعداده للحياة، عُني مؤلفو كتب اللغة العربية باختيار ما حسبوه مناسباً وصالحاً من الأناشيد والقصص التي كتبت في الأصل للكبار. لقد كان الأمر قائماً على الاجتهاد والتجريب والتوقع إلى أن التفت عدد من الأدباء العرب إلى اهتمام الأنظمة التربوية الغربية والأجهزة الثقافية بأدب الطفل بصفته مادة ثقافية غنية لا تعد الطفل إلى الحياة فحسب بل تسعى إلى أن يكون فنان حياة، فحاولوا محاكاتهم والاقتداء بهم.
- ندرة الباحثين المتخصصين في نقد أدب الأطفال، وهو أمر يستند بالضرورة إلى ندرة الأدباء المتخصصين في هذا المجال، فالذين يكتبون للأطفال هم ممن عرفوا بكتابتهم للكبار، وتأتي كتابتهم للأطفال بصورة هامشية تجريبية تعتمد على حسن النية، أو تحمّل النص أفكاراً لا تحتملها قدرة الطفل.
- إشكالية الأسلوب في أدب الأطفال، فما زال العديد من الأدباء يحسبون مثلاً أن تبسيط اللغة فحسب هو كل ما يحتاجه الأدب الموجّه للطفل لكي يناسب هذا الطفل، وأن اختيار الموضوعات من بيئة الطفل يكفي لجذبه للنصّ. فالكتابة للأطفال مغامرة يلزمها حذر وانتباه فإما أن تكون للطفل عسلاً أو صبّاراً مرّاً، وتقول كاثلين بترتون في هذه القضية (لم تكن الكتابة للأطفال فناً سهلاً البتة، فكما أن الكتابة للكبار تتطلب جهداً عالياً وحساسية ذهنية وعاطفية فائقة الحدة وتصوّراً خلاّقاً كذلك الأمر في الكتابة للأطفال) (2).
- اتجاه معظم الجهات المعنية إلى تحقيق الكمّ المنتج من أدب الأطفال والابتهاج به على أساس حاجته وضرورته، مع سهو ملحوظ عن أهمية (النوعية) والكيفية. فالكثير من أدب الطفل يتجه إلى (النافع) بصورة رئيسة على حساب (الجميل).
- غياب القواعد التاريخية في نقد أدب الأطفال، أي لا يوجد أمام الباحثين والدارسين الجدد نماذج نقدية سابقة يستندون إليها ويفيدون منها في تطوير أساليبهم النقدية الجديدة. بمعنى أن الثقافة النقدية في هذا المجال ضئيلة وشبه مفقودة.
- اشتغال أغلب النقاد بأدب الكبار.
- ندرة اهتمام المؤسسات الثقافية والتعليمية في تشجيع نقد أدب الأطفال.
- من المؤكد أن الطفل هو الناقد الأول والأهم للنصّ الأدبي الموجّه إليه، فإحساسه بالعمل الفني هو الفيصل في نجاح النص، حتى لو أنشئ النص على أفضل الأساليب الفنية المتوقعة. فأدب الأطفال منزلق متحرّك فما يعجب طفلاً قد لا يعجب آخر. لذلك يتراجع كثير من الدارسين عن النقد الفني تاركين الساحة للأطفال أنفسهم.
- يحتاج نقد أدب الأطفال إلى مراس ودراية وثقافة واطلاع على علوم نفس الطفل واللغة والاجتماع فضلاً عن الاطلاع على تقنيات البنية الفنية في هذا الأدب وهي تقنيات مهمة لكنها غير نهائية وغير محسومة، إنها تبدو مفتوحة على كل تجريب، فعالم الأطفال غريب وعجيب ومتجدد. فقد يكتب كاتباً مبتدئاً أو غير متخصص في الأدب نصّاً يحبه الأطفال ويستجيبون له بصورة أعظم من استجابتهم لنص أدبي كتبه متخصص. لكن الضرورة تقتضي تأصيل معايير أساسية لأدب الأطفال، وتلك مهمة النقد والكاتب الخبير.