المجموعة القصصية "القصاصون على سجيتهم" للكاتب عمار الشقيري هي الأولى له، وتضم المجموعة قصصًا فريدةً بأجوائها، تبحث عن حقائق إنسانية وكونية مثقلة بصنوف من الحيرة وهموم التوتر والألم والتعب بيد أنها لا تنفك في بحثها الشاق عن قبس من سعادة أو افتتان بفرح.
أنت هنا
قراءة كتاب القصاصون على سجيتهم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
ِمحَنةُُ الجُذور
أذكُرُني طِفلاً، ببيتِ جَدّتي، أنامُ عِندها، وأصحو كلَّ يومٍ مع صحوِّ الدّيك، تَمضي لِشأنِها، وأمضي لِشأني في فناءِ بيتها الضيقِ حيثُ الحيّزُ كلُهُ مَشغولٌ بِشجرة الخرّوب التي إستَطاعَت، بِجُهدِ الجَدّةِ ورِفقها، أنْ تَجِدَ لها مكاناً بينَ البيوتِ وما تَبقّى من "البراكيات" • حاملةً في طيّاتِ أغصانِها من غيرِ عناء أعشاشَ الطيرِ من كلِ جنس، مِنهُ المُقمُ كالدّوري، والمُهاجِرُ العابِرُ كالخُطاف المُراوغ، وزوجي حمامٍ بريّ كانَ يَفيقُ في الفجرِ ويسعى ولا يعودُ الاّ مساء.
سريعةٌ وخفيفةٌ كانت تمرُ تلك اللحظات، فلا أنتبه لِما يَمضي مِنها ولا أُعيرُ أهتماماً للآتي، فذاكرةُ الطفولةِ هشةٌ، لا تَصمدُ أمامَ الأيّام وتَعاقبها، فَتُنسى كأنها لم تَكن، لذا نسيتُ وتَشاغلتُ، وصَعدتُ العمرَ مُهرولاً، كذا المُخيّمُ صَعد عُمره فتكاثَفَ بناؤه وتَكاتَفَ وحلَّ الإسمنتُ مَحل الصفيحِ في البيوت، ولم تنجُ شجرة الخرّوب هي الأخرى من أسنان الجَرّافة ذاتَ ظهيرةٍ، وهي تَزرَعُ مَحلَ أغصانِها أعمدةً من إسمنت وحديد، ومرت سُنون كثيرة، وجرت مياهٌ كثيرةٌ في وديانِ العُمر قبلَ أن أصحو على غير عادتي ذات فجرٍ وأسمع هسيساً آتياً من فِناءِ بيتِ الجدّة، يَهمسُ بهذا الحديث، فمضيت للجدّة وكانت مشغولةً بتقشيرِ النسيان عن صُندوقٍ بين يديها، تفتحهُ وتَمسَحُهُ، ثم تُدنيهِ من قَلبِها فَيُشرقُ محيّاها، قلت: سمعت هسيساً آتياً من هناك، وأشرت بسبابتي لما كان منذ زمنٍ موطن الشجرة، رفعت بَصرها وهمست: يا "مشحر" هذا صوت جذورِ شجرة الخرّوب وهذا قبسٌ من هذا الهمس.
_____________
• * محمود درويش
جذر أول
الشعرْ، هديّة شَيطانٍ تائبْ، أو ملاكٍ مُرتدْ لِحضرة الشاعرْ.
الشاعرُ، تاجرُ الكلماتِ المُنتَقاة، يّكيلُها بالوزنِ.
والوزنُ شرطُ وجود الشاعر.
جذر ثان ٍ
الحُلمْ، ما إستَطاعَ أن يَّجرَهُ الشَيطانُ مِن مُحيطِ الواقِعِ، الى شاطِئ النائِم.