في كتاب "صورة المرأة في الشعر الأموي"، تقول د. أمل نصير في مقدمة كتابها الصادر عام 2000، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت:
أنت هنا
قراءة كتاب صورة المرأة في الشعر الأموي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

صورة المرأة في الشعر الأموي
الصفحة رقم: 4
العراق
سُميت بذلك من عراق القربة، وهو الخِــرْزُ المثني الذي في أسفلها؛ أي أنها أسفل أرض العرب· قال أبو القاسم الزجّاجي: قال ابن الأعرابي: سُميّ عراقاً لأنه سفل عن نجد، ودنا من البحر وقيل: إنما سُمي العراق عِراقاً لأنه على شاطئ دجلة والفرات مدّاً حتى يتصل بالبحر على طوله· وقد ذكر ياقوت الحموي أسباباً أخرى وراء هذه التسمية في معجم البلدان· والعراقان الكوفة والبصرة·
كان العراق منذ فجر التاريخ مهداً للحضارات، فقد تعاقبت عليه أجناس مختلفة كالبابليين والآشوريين والكلدانيين وغيرهم· ولعل وجود نهري دجلة والفرات كان سبباً مهماً وراء قيام هذه الحضارات، وكان كذلك سبباً مهماً وراء مطامع آخرين كثيرين فيه، فكثرت الهجرات إليه، ومنها هجرة القبائل العربية التي كانت تفد من الجزيرة العربية موطن العرب الأول·
وعلى إثر النزاع الذي كان بين الروم والفرس، ومطامع كل إمبراطورية في ممتلكات الإمبراطورية الأخرى، أقامت كلّ واحدة منهما مملكة عربية على حدودها؛ لتكون مصدّاً تصدّ أي عدوان أو غزو تتعرض له أراضيها، فأقام الروم مملكة الغساسنة على حدود الشام، وأقام الفرس في المقابل مملكة المناذرة في مدينة الحيرة العراقية·
كانت الحيرة تقع على مسافة تبعد نحو ثلاثة أميال من الكوفة، وكان يسكنها العرب، وجماعة من النبط، وأخرى من اليهود، بالإضافة إلى طائفة من الفرس سادة البلاد الأصليين، وقد حكمها عدد من الأمراء والملوك العرب من قبيلة لخم· منهم: المنذر ابن امرئ القيس المعروف بابن ماء السماء الذي تنصّرت الحيرة في زمنه، ومنهم عمرو بن المنذر المعروف بعمرو بن هند·
وقد كانت الحياة في الحيرة مزدهرة ازدهاراً كبيراً، وفي مجالات مختلفة منها: العلمية؛ إذ كانت تزخر بمعاهد العلم ومدارسه· والعمرانية؛ إذ كثرت فيها القصور والكنائس، وقد ساعد موقعها الجغرافي بين العراق والشام على اتصال أهلها بغيرهم من الشعوب المجاورة، بسبب قربها من بلاد فارس، ودراية بعض أبنائها باللغة الفارسية الأمر الذي جعلهم يطلعون على الثقافة الفارسية من علوم وآداب ونظم سياسية وحربية وإدارية· وكان لتنصّر ملوك الحيرة، واتباعهم الكنيسة النسطورية التي سيطر عليها السريان دور كبير في معرفة أهلها واطلاعهم على الثقافة الإغريقية، وذلك بواسطة طرق متعددة: على رأسها الترجمة، وكتب الطب والرياضيات، والفلسفة الأفلاطونية، ومنطق أرسطو·
وقد كانت العلاقة بين الكنيسة النسطورية والثقافة الإغريقية وثيقة إذ كانت الكنيسة النسطورية تحاول التوفيق بين اللاهوت المسيحي والفلسفة اليونانية· كما كان للحروب بين اللخميين والروم، ووقوع عدد من الأسرى الروم في أيدي أهل الحيرة أثر في الاتصال بالحضارة البيزنطية، والاطلاع على ما كان لديهم من علوم وثقافة وفنون وسبل عيش·
فلما جاء الإسلام، وشرع المسلمون في بناء الكوفة بدأت أحوال الحيرة تتغير، فتراجعت أهميتها، وتناقص عمرانها، بل نقض هذا العمران، واستخدمت حجارة قصورها وكنائسها في العمارة الإسلامية خاصة المساجد، فقد ذكر البلاذري عن شيخ من أهل الحيرة: "وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة التي كانت لآل المنذر أَنّ المسجد الجامع بالكوفة بُني ببعض نقض تلك القصور، وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم"· ولكن هذا التراجع في المكانة السياسية والعمرانية ومظاهر الحضارة الأخرى
لم يقلل من قيمة الثقافة اللخمية التي انتقلت بعناصرها الفارسية والإغريقية إلى العرب المسلمين· ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل فُتح المجال للتوسع في الاطلاع على هاتين الحضارتين عن طريق دخول أعداد كبيرة من الفرس في الإسلام، وتعلمهم العربية ونقل كنوز فارس الثقافية إلى اللغة العربية، وكذلك عن طريق دخول بعض النصارى خاصة العرب منهم إلى الإسلام، فنقلوا ما يحفظون من ثقافة الإغريق إلى العربية، فحلّت الكوفة والبصرة محل الحيرة، وأخذتا عنها وعن جيرانها حضارات الأمم السابقة، فهضمتاها، واستفادتا منها استفادة كبيرة كان لها دور في نمو الحياة الثقافية والعقلية عند المسلمين فيما بعد·
وببدء الخلافة الأموية كان دَوْر الحيرة قد انتهى، وبدأ دور الكوفة والبصرة، وأصبح العراق بهاتين المدينتين من أكبر بيئات الشعر في العصر الأموي، وأكثرها إنتاجاً للشعر والشعراء·