المجموعة القصصية "موت عزرائيل" للكاتب الأردني مفلح العدوان، الصادرى عام 2000 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائها:
جنوباً حيث سرّة حفرة الإنهدام!
قراءة كتاب موت عزرائيل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
موت عزرائيل
الصفحة رقم: 3
حزموا أنجماً على التنين ، واستخدموا طاقة برج الحوت وسرعته في السباحة السماوية، ثم امتطوا الدب الأصغر ليبدأوا الرحلة مستهدين في هجرتهم ببراعة هدي النجم القطبي مرجع السماء ومحورها !
الخارطة واضحة أمامهم ، ولا سبيل للتراجع ·
سمع جبرا وشوشاتهم ، ورأى استعدادهم فزاد ابتهاجه ·
قال لروحه : ( سأتبعهم !)
وتابع معهم خطة النزول هبوطاً باتجاه القريه ·
الخارطه كلّ جغرافيا الفضاء ·
تتبّع المسار معهم : ستضيء لنا نجوم القَدَر الأول غياهب الدرب، وسنتبعها نجماً وراء نجم متسلّلين كأبديي الظهور من أثر الرحيل··· وستكون مراوغة حرّاس السماء لا بالمواجهة بل بمحاولة ولوج أصعب الدروب لا أسهلها !
ساد صمت
وبعد أن اصطف الجميع استعداداً ، وصف لهم دليل السماء مسلك الهبوط : في البدء سنخترق بحر الأمزجة ، ثم بحر الغيم، فبحر الأمطار ، وبعدها نستريح قليلاً قبل أن نواصل المرحلة الثانية عبر جبال الكربات مروراً بفوهة التيه وهضبة الأحلام ، لنسبح بعدها في محيط العواصف قبل أن نصل خليج قزح محطة إقامتنا الثانية التي لن نستقر فيها كثيراً بل سنبحر قليلاً نحو جزيرة الإخصاب حيث نستريح هناك سنين عددا لنحصي ما خسرنا ونعوّض بالخصب والتناسل ما ضاع منا حتى نعاود الرحلة في مرحلتها الأخيرة فوق بحر الحريق ، ومستنقع النوم وبحيرة السراب وصولاً إلى غابة الحلم قبل بلوغ الأرض !
فرح جبرا حين سمع كلمة الأرض ···
إنها تعني القرية، تعني البهجة، تعني الانسلاخ من لباس السماء الرسمي والحسابات الدقيقة، والمكيال، والثواب والعقاب بمقدار، ورصد هذا ومتابعة ذاك !
أحسّ بالخدر يصيب جناحه ····
أفاق من سبات تذكاره على شلال مالح يتسرّب من عينيه إلى وجنتيه ، وينحدر باتجاه شفاهه ساقطاً على مساحه ممتدة أسفل منه···
كان ملحاً قاتماً !
تذوّقه بلسانه دمعاً مصدره العين ··· تذكّر القرية فزاد جريان الوابل من عينيه !
تأمل ذاته ··· أحسّ بخدر جناحه القابع منذ سنوات الهجرة تحت القرية بعد أن طواها ، قالباً عاليها أسفلها ، مثل صفحة في كتاب ثم بقي سجيناً بين جناح طليق يلوّح طالباً الخلاص وبين آخر محصور تحت أنقاض القرية وأطلالها وذكريات البهجة فيها ، كلّما راوده حنين لفرح أو ذكرى ابتسام سال دمعه وزاد منسوب بحيرة الملح المتكوِّنة فوق القرية قرب عينيه!
هزّ جناحه الطليق متذكراً ، فهبّت نسمة دافئة على طول حفرة الانهدام التي تشققت قهراً لمّا أحسّت بثقل خسف الجناح في نزوله الرهيب عبر سبع سماوات شاطراً القرية، قطعة من كعك، بكل لذّة مذاقها وحلاوة أهلها ، رافعاً إيّاها عدّة أفلاك قبل أن يقلبها على جناحه الآخر في مكانها الذي كانت تسميه وطن البهجة··· وبقي الجناح دافئاً تحتها، وبقيت حفرة الانهدام ، وبقيت البحيره ماؤها من دمع جبرا الذي كلما هزّ جناحه الطليق يشرئبّ نور حراس السماء مسلطين أضواء مصابيحهم عليه خوف صحوه بعد طول سكون !
حاول أن يسحب جناحه السجين تحت بحيرة دمعه ، فأحسّ مياه الملح ثقيلة ·· كزّ على أسنانه وحرّكه بقوة فاهتزّت مساحات اليابسة حوله ، وبدأت الزلازل تداعب الأمكنة وتُشقّق البيوت وتُصدّع الجبال·