كتاب «الحياة في بيوت فلسطين (1855ـــ 1859)» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) هو حصيلة رحلات دوّنتها ماري إليزا روجرز أثناء مرافقتها لشقيقها إدوارد توماس روجرز الذي شغل مناصب ديبلوماسية وقنصلية في القدس ودمشق والقاهرة وحيفا التي يبدأ منها تدوين هذه الرحلات،
أنت هنا
قراءة كتاب الحياة في بيوت فلسطين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
كانت الساعة قد شارفت على الثامنة والنصف، وكان المرفأ قد بدأ يزدحم بالناس الذين ارتدت الغالبية العظمى منهم أزياء محلية زاهية الألوان، كما تواجد بعض الغربيين الذين كانو يرتدون الملابس الدارجة في بلاد الشام، التي تمتاز بلونها الأبيض من الرأس حتى أخمص القدم· كما رفرفت الأعلام والرايات من على السواري التي تعلو مباني القنصليات الأجنبية والأديرة، ومن على السفن أيضا، ونظرا لأن اليوم كان يوم أحد، فقد سادت في الأنحاء أجواء العطلات·
عبرنا المدينة في طريقنا إلى مركز الحجر الصحي، الذي كان عبارة عن مبنى معزول يقع على مسافة قريبة من الأسوار الجنوبية للبلده·
تعالت صيحات الترحيب الودية الموجّهة لأخي من الشاطئ بالعربية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية، وعندما شارفنا على الوصول إلى وجهتنا، سحب القارب نحو الرمال، وقام موظف الحجر الصحي الذي اقتصر لباسه على ثوب طويل وحزام للوسط، بالقفز إلى المياه التي وصلت حتى ركبتيه، ليحملني بذراعيه القويتين ركضا عبر المياه نحو الشاطئ الرملي، ثم على اليابسة ليطلق سراحي، بعد أن تركني في عهدة موظف صحي آخر كان يقف على أسفل الدرجات المؤدية إلى مركز الحجر الصحي، وما لبث أن عاد مسرعا للقارب من أجل الركاب الآخرين، الذين عاد بهم حملا على ذراعيه أيضا واحدا تلو الآخر نحو اليابسة·
كثيرا ما كنت أتساءل عن المشاعر التي ستنتابني عندما تطأ قدمي تراب فلسطين، ولكن الأحداث التي مرت بنا لدى وصولنا تكفلت بالقضاء على رومانسية الموقف، فقد نسيت أو كدت أن أنسى بأنني في الأراضي المقدسة، بينما ازداد شعوري بأنني سجينة في واقع الأمر، وبعد أن انضم الي شقيقاي والراهبان المرافقان لنا، تم اقتيادنا عبر الدرجات الحجرية إلى باب يؤدي إلى ساحة داخلية مربعة تتكون أضلاعها من جدران مبان حجرية ذات أسقف مستوية وواطئة تمتاز بحالتها المزرية· كان في منتصف الساحة بئر عميقة تعلوها مظلة خشبية، وتحف بها أشجار توت مكسوة بأوراق كبيرة نسبيا ترتفع نحو السماء لتترك حولها ظلالا وارفة ومريحة، وكان مركز الحجر الصحي مكتمل العدد على غير العادة بسبب انتشار وباء الكوليرا في مصر·
أما رفاقنا، راهبا الفرانسيسكان، فقد تم إيواؤهما مع مجموعة من الحجيج في غرفة ضمت ثمانية منهم·
الغرفة الوحيدة الشاغرة كانت ذات باب يفتح على ساحة صغيرة في الزاوية اليمنى من المجمع، وقد تم تخصيصها لنا، ومع أنها لم تمتلك ما يؤهلها لتكون سكنا ملائما إلا أننا عقدنا العزم على استغلالها بأفضل شكل ممكن، مساحتها كانت 12 قدما مربعا تقريبا وذات أرضية حجرية، وقد طليت جدرانها باللون الأبيض، أما بابها الذي لم يكن أكثر من ألواح خشبية متراصة كيفما اتفق، فلم يكن مزودا بمصاريع من الداخل، كما احتوت الغرفة على نافذة شمالية ذات زجاج بارز، تطل على البحر الأزرق والشاطئ الصخري والسور الشمالي ليافا، مع ما يجاوره من مشهد جميل للبيوت ذات الأسطح المستوية التي يعلو بعضها البعض، وتتصل فيما بينها بأدراج تفصلها عن بعضها شجرة نخيل هنا أو مئذنة جامع هناك، وكانت مجموعات من الصبية ترتع وتلعب تحت الأشجار القريبة منا، بحيث عوضت حسنات المشهد خارج الغرفة الكآبة التي كانت طاغية في داخلها·