أنت هنا

قراءة كتاب الإيجاز في الموروث البلاغي والقرآن الكريم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإيجاز في الموروث البلاغي والقرآن الكريم

الإيجاز في الموروث البلاغي والقرآن الكريم

كتاب "الإيجاز في الموروث البلاغي والقرآن الكريم"، في هذه البيئة البلاغية والأدبية نشأ الإيجاز ونما· وقد أقبل السلف من البلاغيين والكتاب والشعراء والخطباء المفوّهين على الإيجاز بكلّ أشكاله ليقيموا علاقة عكسية بين غيض اللغة وفيض المعنى، بين جزر الدالّ ومدّ ال

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
مقدمة
 
مقام الإيجاز عند العرب
 
لقد حظي المصطلح إيجاز بأسماء مختلفة: كالإشارة، والحذف والقِصَر، والاختصار، والكناية، والرمز، والتضييق· والتضييق هو أن يضيق اللفظ عن المعنى، لكون المعنى أكثر من اللفظ(2) وهو في المصنّفات البلاغية القديمة على نوعين: حذف وقِصَر· تجدر الإشارة إلى أنّ بعض الدارسين يشكلون لفظة قصر بفتح القاف وتسكين الصاد (قَصْر)، وبعضهم يكسرون الأول ويفتحون الثاني (قِصَر)، وهو الأصحّ لسببين: (1) القِصَر وهو تقصير أو تقليص مساحة اللفظ وحدوده لتتّسع نتيجة لذلك مساحة المعنى· (2) والقِصَر، على نحو ما نرى، حتى لا تختلط الأوراق مع مفهوم نحوي/بلاغي آخر هو مفهوم القَصْر·(3)
 
يقول ابن حجة الحموي: هذا النوع، أعني الإيجاز، اعتنى به فصحاء العرب وبلغاؤها كثيرا، فإنهم كانوا إذا قصدوا الإيجاز أتوا بألفاظ استغنوا بواحدها عن ألفاظ كثيرة، كأدوات الاستفهام والشروط وغير ذلك· فقولك: أين زيد؟ مغنٍ عن قولك أزيدٌ في الدار أم في المسجد، إلى أن تستقري جميع الأماكن· وقولك: من يقم أقم معه، مغنٍ عن قولك، إن يقم زيد أو عمرو أقم معه· وما بالدار من أحدٍ، مغنٍ عن قولك: ليس فيها زيد ولا عمرو· فغالب كلام العرب مبني على الإيجاز والاختصار، وأداء المقصود من الكلام بأقلّ عبارة(4) إنّ الرغبة في الاختصار موجودة في أصل اللغة العربية، كما يقول ابن حجّة الحموي، وفي غيرها من اللغات· هكذا نجد في العربية مثلا أنّ تنوين العوض قد أريد به تعويض السامع عن نقص متعمّد في الكلام يوجزه·(5)
 
وعلاوة على وجود الإيجاز في أصل اللغة، لقد جعل العرب الإيجاز في أصل البلاغة أيضا· قال الإمام علي، رضي الله عنه: ما رأيت بليغا قط إلا وله في القول إيجاز، وفي المعاني إطالة(6) وهكذا أحكم الإمام علي العلاقة بين الإيجاز والبلاغة، وربط بين قلة اللفظ وكثرة المعاني· وقال أكثم بن صيفي من خطباء العرب: البلاغة الإيجاز(7) روت بعض المصادر أنّ معاوية بن أبي سفيان قد أعجب بفصاحة صحار بن عياّش العبديّ قائلا: ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال صحار: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا· فقال له معاوية: ما تعدّون البلاغة فيكم؟ قال: الإيجاز· قال له معاوية: وما الإيجاز؟ قال صحار: أن تجيب فلا تبطئ، وأن تقول فلا تخطئ(8) يحدّد صحار الإيجاز في عنصرين: الإسراع والإصابة· وهما، كما سنرى لاحقا، يرتبطان بضرورة الابتعاد عن الثرثرة والإطناب لتحقيق المعنى الدقيق· وقال جعفر بن يحيى البرمكي يحثّ كتّابه على الإيجاز: إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا(9) وهو القائل أيضا: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار هذرا(10) قال عبد الحميد الكاتب في رسالته إلى الكتّاب يحثّهم على تجنّب الإطالة في الكلام والوصف: واعلموا أنّ للتدبير آفة متلفة، وهي الوصف الشاغل لصاحبه عن إنفاذ عمله ورؤيته، فليقصد الرجل منكم في مجلسه قصد الكافي من منطقه، وليوجز في ابتدائه وجوابه، وليأخذ بمجامع حججه، فإنّ ذلك مصلحة لفعله، ومدفعه للتشاغل عن إكثاره(11) قالت بنت الحطيئة لأبيها: ما بال قصارك أكثر من طوالك؟ قال: لأنها بالآذان أولج وبالأفواه أعلق· وقيل لشاعر: لم لا تطيل في شعرك؟ فقال: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق·(12) قال البحترى في استحسانه للكلام الموجز:
 
والشعر لمح تكفي إشارته
 
وليس بالهذر طولت خطبه

الصفحات