في البدء نود أن نؤكد على أنَّ لـ"بيت الحكمة العباسي" جذوره التي تضرب في أعماق التاريخ، أي في تراث العراق القديم أيام السومريين والبابليين والآشوريين هنا في بلاد بابل وفي العصر البابلي القديم، أي ابتداءاً ومن حدود عام 2000 ق.م.
أنت هنا
قراءة كتاب بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
بيت الحكمة العباسي ودوره في ظهور مراكز الحكمة في العالم الاسلامي
الصفحة رقم: 6
ومن النماذج الأولى للمكتبات نذكر مكتبة معبد إنليل في مدينة نُفَّر التي ترجع إلى العصر السومري الحديث، ومما تبقى في ذلك المبنى نجد أنَّ غرفة المكتبة كانت تحوي رفوفاً مشيَّدة من اللبن بعرض (45 سم) تقريباً بُلِّطت بالقار وغُطِّيت بحصير من القصب وضعت فوقها الرُقُم الطينية التي عُثر على مئات منها كانت مدونة بنصوصمسمارية سومرية(9).
ولما كان العراق القديم هو الموطن الأول لظهور المكتبات الثقافية لحفظ النصوص الأدبية والعلمية والتأريخية كما هو الحال في مكتبة نُفَّر ومكتبة سبَّار ومكتبة نينوى وخرسباد. فإنَّ هذا انعكس بعد ذلك على ظهور دور التعليم والمكتبات التي ارتبط ظهورها بالمجاميع العلمية والأدبية التي تمخض عنها النتاج الفكري لبلاد الرافدين في المدة بين الميلاد وظهور الإسلام، فكانت في العراق مدارس تُدرس فيها العلوم السريانية واليونانية وكانت هذه المدارس يتبعها مكتبات، وبعضها وهو الأوفر نشأ في العصور الإسلامية.
ولهذا يجدر بنا التطرق إلى تاريخ التدريس في الإسلام، فالمعروف أنَّ الدرس والتدريس نشأ بنشأة الإسلام. فقد روي أنَّ جماعة من الصحابة كانوا يُعلِّمون في مسجد قباء في عهد الرسول الكريم (). وكانت دعوة النبي للعرب المسلمين إلى التفقه بالدين وطلب العلم تجد آذاناً صاغية. فقد ظلَّ الدين الإسلامي أساس كل الحركات العلمية وهي القرآن وتفسيره والحديث وروايته واستنباط الأحكام الفقهية والفتاوى الشرعية فيما يجد من مشاكل.
وكانت قراءة القرآن الكريم وفهم معانيه والاقتباس من أساليبه البليغة مما رفع مستوى العقلية العربية وزاد من ثقافة العرب ووسع من مداركهم، فمن خلال قصص القرآن اطلع على أخبار الأمم وقصص الأنبياء السابقين. فاتسعت بذلك آفاقهم وتطورت إبداعاتهم وتعددت مناهجهم. كما كان أيضاً لدراسة القرآن الكريم أثر في الحياة العلمية والعقلية، وفي تنوير الأذهان، وفي دعوته النظر إلى الكون وظواهره عامل في اتجاه العرب المسلمين إلى العلوم العقلية كالفلك والمنطق والجغرافية. وهكذا فقد كان الدين الإسلامي هو الدافع الحقيقي للعلم والتعليم.
كان التدريس إذن قائماً في المساجد منذ صدر الإسلام وكان للعلماء حلقات مأهولة بالطلاب وهي منتشرة في معظم عواصم العالم الإسلامي يجلس فيها العلماء للتدريس وتعليم المسلمين وتثقيفهم في شؤون دينهم. وبقي التدريس قائماً بالمساجد قروناً طويلة منذ العصر الأول، وما زال بعضها قائماً حتى وقتنا الحاضر. وعلى العموم فقد كان المسجد أهم معهد للثقافة في الإسلام(10).
أمَّا من ناحية التخطيط العام للمساجد كان النظام التقليدي لعمارة المساجد، وهو الطراز المستمد من تصميم مسجد الرسول () بالمدينة المنورة هو التصميم الذي كان سائداً في العالم العربي الإسلامي الذي يتألَّف من صحن تحفُّ به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة (بيت الصلاة).
وإلى جانب حلقات المساجد كانت هذه الحلقات غالباً ما تُعقد في دور الخلفاء والأمراء يُناظر فيها العلماء في المنطق وعلم الكلام واللغة. ولم تكن هذه الدور والمجالس دوراً مخصصة للدرس والتدريس، ولكنها كانت مراكز للنشاط العلمي والثقافي.
ولم يبدأ القرن الثاني الهجري حتى نشطت الحركة العلمية، فلما استقر الأمر للعرب ودانت لهم أمم الفرس ودولة الروم التفتوا إلى مظاهر الحضارة التي كانوا يجدونها عند الشعوب التي أخضعوها لهم، وجدوا الكثير من أهلها يتدارسون في مختلف العلوم ويتناقلونها. ومع أنَّ حركة الترجمة في هذا العصر قد اقتصرت على نشاطات محددة قام بها عدد قليل من المترجمين على انفراد، ويُلاحظ أنَّ المترجمين الأولين كانوا مسيحيين يعاقبة أو نساطرة. وقد ترجموا إلى السريانية أولاً ومنها إلى العربية. وكانت هذه الكتب المصدر الأول عن تراث اليونان، إلا أنها لم تكن خالية من الأخطاء لكن هذه الترجمات أُصلحت فيما بعد.