أنت هنا

قراءة كتاب الأرض الطيبة - بيرل بَك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأرض الطيبة

الأرض الطيبة - بيرل بَك

إنها الأديبة الأميركية الفائزة بجائزة نوبل العالمية للآداب.
عرفت الروائية الشهيرة بيرل بك بقصصها ذات الطابع الصيني الآسيوي. ذلك أنها ترعرعت وعاشت أول عهدها بالكتابة، في الصين.

تقييمك:
4.5
Average: 4.5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
واستمر الشيخ في السعال دون انقطاع، فلم يكف إلا بعد أن غلي الماء، فصب وانغ لنغ بعضاً منه في وعاء، ثم فتح - بعض لحظة - جرة مصقولة كانت موضوعة على رف فوق الفرن، وتناول منها عشر أوراق نباتية جافة مجعدة أو حوالي هذا العدد - ونثرها فوق سطح الماء. ففتح الشيخ عينيه بنهم. وشرع لفوره يقول معاتباً:
 
- لماذا أنت مبذر؟ أما تعلم أن شرب الشاي مجرد إتلاف كأكل الفضة؟
 
فأجاب وانغ لنغ مطلقاً ضحكة قصيرة: إنه اليوم الموعود، فتغذ واهنأ بالاً.
 
وأمسك الشيخ بالوعاء بين أصابعه المغصنة النحيلة، وهو يتمتم ويصدر آهات صغيرة. وراح يراقب الأوراق وهي تنبسط وتنتشر فوق سطح الماء، دون أن يجرؤ على شرب هذه المادة الثمينة.
 
وقال وانغ لنغ: سيبرد الشاي.
 
فقال الشيخ في انزعاج: «حقاً.. حقاً..» وشرع يتناول رشفات كبيرة من الشاي الساخن. وراح في غمرة من الرضاء الحيواني، كالطفل حين يستغرق في ازدراد طعامه. ولكنه لم يذهب في ذلك الاستغراق إلى الحد الذي يغفل عنده رؤية وانغ لنغ وهو يريق الماء - غير حافل - من القدر إلى برميل خشبي عميق، فرفع رأسه وحملق في ابنه ، ثم قال بغتة:ً
 
«هذا قدر من الماء يكفي لإنبات محصول».
 
ولم يجب وانغ لنغ، بل واصل صب الماء إلى آخره قطرة، فصاح والده بصوت عال: «كفى!».
 
فأجاب وانغ لنغ، بصوت هادئ: «إنني لم أغسل جسمي بأكمله دفعة واحدة منذ عام».
 
خجل أن يقول لوالده إنه كان راغباً في تنظيف جسمه لتراه المرأة، فهرول خارجاً وهو يحمل البرميل الخشبي إلى غرفته الخاصة. وتقدم الشيخ مترنحاً إلى غرفة الحمام ووضع فمه عند ثقب الباب وهتف:
 
- لن تستقيم الأمور لو بدأنا على هذا الشكل مع المرأة... شاي في ماء الصباح، وكل هذا الاغتسال!
 
فصاح وانغ لنغ «إنما هو يوم واحد فقط!»، ثم أردف قائلاً: «سألقي الماء على الأرض بعد أن أنتهي، فلا يذهب كله هباء».
 
عند ذلك القول سكت الشيخ. وفك وانغ لنغ حزامه وخلع ملابسه ثم غمس منشفة صغيرة في الماء المغلي، وراح يحك جسمه الأسمر النحيل بشدة على الضوء الذي كان ينساب من خلال الثقب.. ومع أنه كان يظن أن الجو حار فإنه شعر بالبرد عندما ابتل جسمه، فأسرع في حركاته، يغمس المنشفة في الماء ويخرجها ليدلك بها جسمه، إلى أن راحت تتصاعد من جسمه كله سحابة رقيقة من البخار، ثم ذهب إلى صندوق، كان فيما مضى ملكاً لأمه، فأخرج منه حلة قطنية زرقاء نظيفة، وقدر أنه قد يشعر بشيء من البرد في ذلك اليوم دون ثياب الشتاء المبطنة، ولكنه شعر فجأة بأنه لا يطيق أن يضعها على جسده النظيف، فإن الطبقة الخارجية منها كانت ممزقة قذرة، وقد أطل الحشو من الثقوب ولم يشأ أن تراه هذه المرأة للمرة الأولى والحشو يبرز من ثيابه. لسوف يكون عليها أن تغسل وترفو فيما بعد. لكن ليس من أول يوم.

الصفحات