قراءة كتاب سنوات الضياع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سنوات الضياع

سنوات الضياع

كتاب "سنوات الضياع: سيرة صفد تاريخاً و شعباً"، الذي اهداه الكاتب علي الصفدي لروح والده، قائلاً: الى روح والدي رحمه الله التى حلقت معي عبر الصفحات القادمة، وقفزت منها الى موقع الأحداث التى تدور حولها، الى اجواء مدينة صفد تأبى مبارحتها كما بارحها جسده قسرا، و

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
كاد سيرهم يكون مقلوبا لكثرة ما تلفتوا إلى الوراء ، فمدينتهم تجذبهم وتشدهم إليها، وهم كالأطفال الرضع الذي يتشبثون بصدر أمهم الحنون، ويبكون ويصرخون عندما ينتزعون منه. فقد تعلق أهلها بها بل عشقوها عشقا صوفيا خالدا. كانت كالقلب الذي يضخ دماء الحياة في عروقهم، ودونها فالعروق جافة والأجساد ميتة، والخروج منها كالخروج من عالم المكان والزمان ····من عالم الوجود السرمدي الى ظلام دامس لا متناه، فمعظمهم لم يعرف غيرها وغير ما يجاورها من جبال ووديان وحقول. وعلو جبل الجرمق الذي ترتفع هامته فوق السحاب وسلسلة الجبال المحيطة بها كالسوار المحيط بالمعصم شكلت قيدا عليهم أعاق تحركاتهم الى خارجها، ألا أنه كان قيدا محببا إليهم اعتادوا عليه وأحبوه ولم يتذمروا منه مرة واحدة في حياتهم. ومن ذلك القيد استمدت صفد اسمها كما قالالشيخ شمس الدين العثماني في كتابه " تاريخ صفد" ( إذ أن جبالها لا تمكن ساكنها من الحركة في كل وقت ، فان ركب تعب، وان مشى على قدميه تعب واختلط لحمه بدمه ، لصعود الربوة وهبوط الوهدة، مما يجعله يستقر في مكانه ويقنع به). وقد كان اهلوها قانعين فعلا بعدم التحرك الى خارجها كثيرا ، وفي البقاء منسابين داخل شرايينها، فهي دفؤهم ومأواهم وملاذهم، وهي عمقهم الروحي والجسدي . يرتبطون بطرقاتها المتعرجة بجدران بيوتها الحجرية، وبأزقتها الضيقة، ويتنعمون باعتدال مناخها واشراقة شمسها وبعليل هوائها وصفاء سمائها وبرائحة تربتها التى جبلت بعرقهم ودمائهم، فباتوا وكأنهم امتداد لأديمها ، وضلع من ضلوعها أو زند في ساعدها.
 
أخذ المجبرون على ترك مدينتهم يبتعدون عنها شيئا فشيئا تسوقهم الأقدار أمامها لا حول لهم ولا قوة، وبدأت قلعتها الشامخة الملتصقة بسمائها والتى تشكل ابرز ملامح وجهها وانصعصفحات انتصاراتها تغيب عن أنظارهم، رغم أنها تنتصب على أعلى القمم فوق تلالها وتدل على كبريائها وعراقة تاريخها. فقد شهد مسرحها صمود اهلها وبطولاتهم في دحر وقائع التتابع الاحتلالي الذي ابتليت به ليس بلدتهم وحدها فقط بل فلسطين كلها، لقد تعرضت القلعة على مر تاريخها لعدة غزوات احتلالية : فاحتل الصليبيون موقعها الحصين لأهميته الحربية عام 114. م ، وقام الأمير فولك صاحب مقاطعة أنجو الفرنسية رابع ملوك بيت المقدس الذي امتد حكمه من عام 1131 حتى عام 1144 ببناء قلعتها لتكون واحدة من سلسلة القلاع التى تحمي طريق السهول الوسطى في بلاد الشام ، فانتصبت ألي جانب قلعة صفد قلعة النمرود في بانياس وقلعة هونين في جبل عاملة وقلعة كوكب الهوى في جنوب بيسان.

الصفحات