في كتابه "مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"؛ يكتب المؤلف في خاتمة مؤلفه هذا: "لقد حرصت في تدوين مذكراتي هذه على تسجيل ما قمت به بنفسي، أو اطلعت عليه بصورة مباشرة، بحكم اضطلاعي بمناصبي ومسؤولياتي فقط، دون سواه، توخياً للحقيقة المجردة، وتفادياً
قراءة كتاب مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
الصفحة رقم: 3
كلية الحقوق
كنت أستاذاً في كلية الحقوق بدمشق بين سنتي 8 1 9 1 و1 2 9 1 ودرّست الحقوق الدولية العالمية وحقوق الرومان، كما درّست في كلية الحقوق العراقية حقوق الرومان أيضاً والاقتصاد السياسي مدة تسع سنوات، تمكنت خلالها من القيام بالتدريس ووضع مؤلف في حقوق الرومان بالعربية لأول مرة· وقد عرّبت كتاباً ضخماً في الاقتصاد لشارل جيد· وطُبع في سنة 4 2 9 1 المجلد الأول، وفي 9 4 9 1 المجلد الثاني ويحتوي المجلدان على ألف ومئة صفحة·
نظرتي إلى الحياة
منذ حداثة سني أخذت أشعر بتفكير أعلى من تفكير أندادي، وكنت أمتاز على أقراني بتمردي على الكثير من التقاليد وبانتقادي للجمود الذي كان مستولياً على الشرق العربي· وكنت أتورط من حين إلى آخر في مناقشات عسيرة مع أندادي وأصدقائي كان أكثرها ينتهي بشحناء ولكن آرائي لم تتغير، بل تقدمت في مضمار التمحيص والوصول إلى حقيقة غير مألوفة في مجتمعي·
لقد كنت أفكر في أن العلم الصحيح لا يمكن الوصول إليه إلا بالاستقراء الصحيح·
والاستقراء الصحيح لا يتوفر إلا بالتفكير الحرّ الذي لا يحده قيد ولا يمنعه مانع، فكنت لا أعتمد كثيراً على التاريخ، ولا على التقاليد، بل كنت أتخذ لنفسي طريقة علمية حرة للوصول إلى ما أبتغيه من حقائق فكرية إذا لم أقل (علمية) بمعنى الكلمة! إلا أنني كنت حدثاً لم يتوصل بعد إلى تلك الحقائق العلمية، وقد أفادني هذا التفكير الحر في حياتي إذ جعلني لا أتأثر بكثير من الأفكار القديمة ولا بالآراء المعاصرة المستندة إلى تلك الأفكار· وكنت ذات يوم أتحدث مع الكاتب التركي المشهور سليمان نظيف بك، الذي كان في وقت ما والياً على بغداد، وهو يعتبر من مثقفي الأتراك وعلمائهم· وبعد الحديث الطويل معه كان يقول (إنه صادف في العراق وفي غيره شباناً كثيرين قد يكونون أعلى كعباً وأوسع علماً مني، ولكنهم كانوا مكبّلين بنوع من القيود تضيع عليهم الكثير من نتائج مداركم وتفكيرهم··! إلا أنني أجد فيك هذه المزية البارزة، وإن كانت مداركك واسعة واطلاعك أوسع، فإنك قد فصمت هذه القيود وكسرتها فأصبحت مفكراً حراً تتوخى الحقيقة العلمية كما يتوخاها أي عالم أوروبي يبذل الجهد في مضمار التفكير الحر)· وقد ساعدتني هذه النزعة في حياتي واستقصاءاتي وجعلتني دائماً أبدي رأياً أكثر نضجاً من قابلية سني في المواضيع التي تعرض عليّ·