في كتابه "مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"؛ يكتب المؤلف في خاتمة مؤلفه هذا: "لقد حرصت في تدوين مذكراتي هذه على تسجيل ما قمت به بنفسي، أو اطلعت عليه بصورة مباشرة، بحكم اضطلاعي بمناصبي ومسؤولياتي فقط، دون سواه، توخياً للحقيقة المجردة، وتفادياً
قراءة كتاب مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
الصفحة رقم: 5
-2-
البيئة والمحيط
كان ولعي بالسياسة عظيماً منذ أن بدأت أفهم الأمور المحيطة بي وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وكنت أجالس والدي كثيراً وأسمع ما يجري في مجلسه من أحاديث منوعة عن حالة الزرع والري والعشائر والإصلاح الاجتماعي والسياسي، وكانت كلها تنمّ عن قنوط ويأس من حصول أي إصلاح في عهد الدولة العثمانية وبغداد في ضمنها· وعندما أعلن الدستور العثماني في تموز 8 0 9 1 لم يفهم أحد معنى الدستور ولا معنى الانقلاب الذي حصل، والمفهوم الذي لم يناقشه أحد - كان اعتقاد الناس بانتهاء دور الظلم والانحطاط بأوسع معانيه· وقد كان الرأي سائداً بأن إصلاح الإمبراطورية العثمانية ليس بالأمر السهل لفقدان الوسائط المحققة لذلك، ولبقاء الجهل والتعصب والروح العشائرية متفشية في أنحاء البلاد، ولعدم وجود استعداد طبيعي لتلقيّ الروح الجديدة التي سعى الدستور لإدخالها في المجتمع·
فإذا قيل (مساواة) و(أخوّة) قيل وكيف يكون ذلك ممكناً والمساواة والأخوة لا يمكن تأسيسهما بين مسلم وغير مسلم؟
وإذا قيل (حرية) و(عدل) قيل هذا شيء غريب لأن ما يعمله السلطان هو العدل· أما الحرية فهي خدينة للفوضى لا نحتاجها· وقد صحت التكهنات التي ظهرت حين حدوث الانقلاب· وظهرت علائم الانحطاط أكثر من ذي قبل في الإمبراطورية العثمانية والعراق جزء منها· وقد عجلت بهذا الانحطاط الحروب المتوالية التي وقعت بين تركيا والبلقان والطليان·
كان العراق جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وهو يتألف من ثلاث ولايات: بغداد والموصل والبصرة· وكانت الولاية تحتوي على عدة ألوية (أو سناجق ومفردها سنجق) والأولوية على أقضية، والأقضية على نواحٍ، حسب الحاجة·
وكانت ولاية بغداد مركز السيطرة الإدارية والسيطرة السياسية في بعض الأحيان· وأثر هذه السيطرة كان ناشئاً عن ارتباط البصرة والموصل ببغداد كلواءين تابعين لها منذ عهد مدحت باشا· وقد كانت لبغداد ميزة أخرى هي كونها مركز الجيش السادس المسيطر عسكرياً على جميع الأنحاء العراقية، مما أمّن لها تفوقاً لا تجاريها فيه أية ولاية من تينك الولايتين· وكان خضوع البصرة لسيطرة بغداد أكثر من خضوع الموصل لها وذلك لأسباب كثيرة·