في كتابه "مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية"؛ يكتب المؤلف في خاتمة مؤلفه هذا: "لقد حرصت في تدوين مذكراتي هذه على تسجيل ما قمت به بنفسي، أو اطلعت عليه بصورة مباشرة، بحكم اضطلاعي بمناصبي ومسؤولياتي فقط، دون سواه، توخياً للحقيقة المجردة، وتفادياً
قراءة كتاب مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
مذكراتي نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية
الصفحة رقم: 10
-4-
في باريس
كنت طالباً في مدرسة الحقوق وأكملت تحصيلي في سنة 2 1 9 1 وسافرت تواً إلى باريس لدراسة الحقوق الغربية، وكنت متأثراً جداً بالثقافة الجديدة التي أدخلها عليّ شبان المنتدى الأدبي والأصدقاء الذين كانوا يسكنون معي في بيت واحد في استانبول؛ كفائز الشهابي وتوفيق البساط، وشعوري بالثقافة العربية التي كنت بعيداً عنها وأنا في العراق، مما زاد اتصالي في باريس بشباب أعلى ثقافة وتفكيراً ممن رأيتهم في استانبول من العرب، وكان في مقدمتهم محمد المحمصاني وجميل مردم وعوني عبدالهادي وعبدالغني العريسي وتوفيق فايد وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم بالضبط لتقادم العهد الطويل على اتصالي بهم· وكان لهؤلاء الشبان مكان يجتمعون فيه في مفترق شارعي سان جرمين وسان ميتشيل، يسمى (كافة سوفلو)· كنت أحضر فيه في غالب الأوقات· وعندما اختمرت فكرة دعوة مؤتمر باريس للنظر في شؤون العرب القاطنين في الإمبراطورية العثمانية، كانت الأذهان منصرفة لتسميته بالمؤتمر السوري، نظراً إلى أن السوريين فقط هم القائمون بالفكرة القومية ولم يتقدم لمساعدتهم في ذلك أحد من العرب· وقد كان انصراف الشباب السوري إلى ضرورة اعتبار المؤتمر سورياً أمراً له كل المبررات؛ لأن موقف العراق والحجاز واليمن من القضية العربية عدا كونه غير مفيد لها فإنه كان في بعض الأحيان مضراً ومناهضاً لها كثيراً· فالحجازيون كان القسم الأكبر منهم، خصوصاً من أهل المدن، يدّعي بأنه لا يمت إلى العروبة بأية صلة، وإن تكلم بلغتها وتثقف بثقافتها؛ لأنه يدّعي بأنه أتى من بلاد غير عربية فسكن الحجاز للارتزاق أو المجاورة·
الحجاز والوعي القومي
أما البدو في الحجاز فلم يشعروا قط بما نسميه شعوراً قومياً، وكذلك العناصر الحاكمة في الحجاز من أتراك موظفين رسميين أو عرب في مراكز رفيعة؛ فإنهم كانوا بعيدين عن أي عمل قومي· وإن أنسَ لا أنسَ احتجاج الشريف حسين أمير مكة حينئذ على ما قام به المؤتمر العربي الأول من أعمال اعتبرها خدمة أجنبية وخيانة للوطن العثماني، وكنت أحتفظ بنسخة من جريدة (اقدام) التركية التي نشرت فيها برقية الشريف، وهي موجهة إلى الصدر الأعظم وتتضمن هذا الاحتجاج· وما يقال عن الحجاز يرد بتمامه عن اليمن· أما في العراق فقد كان التبلبل في الآراء والتشوش في الأهداف كبيرين إلى درجة أدت بالمجلس النيابي العثماني سنة 1 1 9 1 إلى المناقشة؛ إذ ظهر خلالها أن قسماً من نواب بغداد كان يقول بأن العراق غير عربي بما فيه بغداد· وقد كان موقف المرحوم جميل صدقي الزهاوي في تلك المناقشة جديراً بالتقدير؛ إذ دافع بكل حماسة عن عروبة العراق وبغداد على الأخص·