أنت هنا

قراءة كتاب مختارات من ديوان أعوام الرمادة 1972-1982

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مختارات من ديوان أعوام الرمادة 1972-1982

مختارات من ديوان أعوام الرمادة 1972-1982

كتاب "مختارات من ديوان أعوام الرمادة 1972-1982"، أتساءل أحياناً: لماذا ينسحب شاعر جيد من الكتابة بينما يستمر آخر ردىء، ولماذا تنطمس موهبة كبيرة وتتوارى كأنها تخجل أمام الشعر بينما تبرز موهبة ضحلة أو شبه موهبة، ولا يجد صاحبها حرجاً في أن يدافع الشعراء، بالمن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
-1-
 
حين عزمتُ على الكتابة عن مختارات من ديوان (أعوام الرمادة) تردّدت، واعتزلتُ الكتب والناس، وخلوتُ إلى تلك النّفس الأمّارة اللوّامة علّها تقدّم شيئاً من العون، أو تفتح كوَّة في ذلك الظلام الدامس الذي أتلمّسه فلا أجد شيئاً· وحين أردت الكلام بادرتني هي بالسؤال: ماذا ستقول؟ وهو السؤال الذي أعرفه غير أنّني أتجّنبه· قالت النفس: ماذا ستقول؟ وهل تستطيع أن تكون محايداً وأنت تكتب عن هذا الشعر؟ هل تستطيع أن تتحلّى بالموضوعية والمنهجية اللتين طالما ألححت عليهما، ووضعتهما نصب عينيك وأنت تدرس وتحكم؟ ولم أجب، فتابعت هي قائلةً: هل تقدر أن تنسى أو تتناسى علاقة العمومة، ووشائج الروح، ورابطة الألفة تلك التي جمعتكما على اختلاف في العمر، والتجربة، والزمن؟
 
كانت تلك الأسئلة أشبه بالجمرات التي تكوي، وليس من فرار أمامها· وصمتُّ مرة أخرى، وراحت تقول هي ثالثة، وغريبٌ أمر هذا الموقف الطويل الشاقّ، السكوتُ من جانبي، والكلام من جانبها، التجنّب من عندي، والمواجهة من عندها، التريّث من دأبي، والعجلة من طبعها، وراحت تقول قولاً هو أقرب الى الجواب منه إلى السؤال : لا، لن تستطيع، فمهما حاولتَ، واستجمعتَ، واحتشدتَ فستعجز؛ لأنَّ الحياد في أمثال هذه المواقف عسير عُسْرَ الموضوعية ذاتها، شاقّ مشقّة المواجهة عينها·
 
غرقتُ بعدها في الصمت، وكان ذلك الصّمت إيذاناً منها بتركي لمصيري أقلّب الأمور على وجوهها، وأُعمل فيها الفكر حتى أهتدي إلى حلّ، واسعفتني الذاكرة بما كان يردّده أحد أدباء العربية الكبار، وعلمائها المتميّزين هو الشيخ محمود شاكر تغمّده الله برحمته في كتبه وأحاديثه، وما سطره بوضوحٍ بعد هذا في كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) من حديث عن الموضوعية والتجرّد وهو يحاور الدكتور طه حسين الذي ذهب في كتابه الشهير (في الشعر الجاهلي) إلى أنّ على الباحث (أن يتجرّد من كلّ شيء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل بحثه خالي الذهن خلوّاً تاماً ممّا قيل)، فيعقّب الشيخ شاكر بقوله : (إنّ هذا شيء لا أصل له··· بل هو خارج بهذه الصورة عن طوق البشر· هَبْه يستطيع أن يخلي ذهنه خلوّاً تاماً ممّا قيل، وأن يتجرّد من كلّ شيء كان يعلمه من قبل، أفمستطيع هو أيضاً أن يتجرّد من سلطان اللغة التي غذي بها صغيراً، وبها صار انساناً ناطقاً؟ ··· 

الصفحات