رجال للبيع رواية جاءت بسبعة فصول، تلفتك لغتها الحادة، وبناؤها السردي المتناغم والمشوق، تتحدث فكرتها الرئيسية عن شاب اردني ناضل والده على حدود القدس ففقد عينه أثناء عمله النضالي، شعلة من الحماس كان الابن، ينافح عن الفقراء والمستضعفين ويروي حكاية والده بكل ال
أنت هنا
قراءة كتاب رجال للبيع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
كانت شحنة الوطن التي تجري في عروقه لا تحتمل وهو يرى مجموعة من ثلاثة جنود صهاينة يجتازون الحدود باتجاه خندقهم ما حدا به إلى تصويب بندقيته باتجاههم فقتل واحداً، وأصاب الأخر في قدمه قبل أن تنطلق باتجاههم قنبلة يدوية قتلت رفيقه في السلاح ساري، وأخذت منه عينه وتركته ينزف في أرض معركة لم تكن معركة.. في خندق لم يكن خندقا.. وفي أرض لم تكن أرضا.
روى لي هذه الحادثة ذات مساء.. وأطلق سيلا من الشتائم على العرب.. ثم رواها لي مرات عدة.. كان لا ينسى شيئا.. أدق أدق التفاصيل كان لا ينساها.. حفر الخندق في الظلام بعد منتصف الليل.. التمويه.. وحفر خندق آخر.. تمويه الدبابة وناقلة الجنود.. البطارية ونفاذ الذخيرة.. وأخيرا البندقية التي ظل محتفظا برقمها حتى اليوم.. كيف لا وهي التي شفت غليله برصاصها فأصاب الصهاينة في مقتل.
قال لي ذات ليلة من ليالي البرد القارص وهو يلتحف فروته البنية الداكنة: لو كنت أعلم بنزولهم إلى بطن البستان لتسللت إليهم وقتلتهم واحداً تلو الآخر.. لكن ما في نصيب.
طلب مني - وهو يراقب نشرة الأخبار ذات مساء -أن أغلق جهاز التلفاز ثم تساءل بغضب: سلام!! أي سلام؟! عن أي سلام يتحدثون؟! ثم بصق على الشاشة من بعيد.
(اصح يا ميمه.. انتصف النهار.. ألا تريد أن تذهب إلى الدوام) قالت لي مريم وهي تهزني من الكتف.. ترى أي هزة أصابتني، أنا أتلقى نبأ وفاتها من الطبيب.. أي مقياس لرختر أو لغيره سيقيس مساحة الألم الذي اشتعل في أحشائي.. أي بؤس يأكل جسدي وأنا أرقب الجسد الذي حملني في أحشائه تسعة أشهر يحمل على الأكتاف ليوارى التراب.. أي تراب مقدس هذا الذي يحوي جسد مريم.
كان لمصنع الزيوت الذي عملت به في سحاب بعد تخرجي من الجامعة، موقعٌ خاصٌ في قلبي، ليس لأنه منحني أول راتب أقبضه في حياتي، بل لأنّه ساهم في نقل تجربتي في الحياة، من طالب إلى عامل يقوم بعدة أعمال في وقت واحد.. يعبئ السمنة.. يجر العربة كحمار.. يجمع (الطبليات الخشبية).. يذعن لأوامر أبو أحمد رئيس (الشفت).. ويمسك بالقشاطه ليمسح بها أرض المصنع قُبيل انتهاء الدوام.