أصبح السعي وراء الحقوق الإنسانية، التي أقرَّتها الشرائع وسنَّتها القوانين، من سنن الحياة، وهو سعي لا يتكلَّل في كثير من الأحيان بالنجاح، فحق الإنسان في الأمن والسلام تهدده – دائماً – الحروب، وحق البشر في العمل أذهبته حُمَّى البطالة وفقرِ الاقتصاد أدراجَ الر
أنت هنا
قراءة كتاب مرافئ الذاكرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
أمام هذا (الكشكول) السياسي الفكري العربي، كانت فلسطينُ وما زالت مادة أساسية أولية في تشكيل البِــنية السياسية الاجتماعية العربية، التي تعرف جيداً (مبتدأ) المادة الأولية، لكن (الخبر) أنه منذ ضياع فلسطين عام 1948، وحتى الآن، ونحن في هزائمَ متكررة، حيث تبدّت الصورة/ الهزيمة للعرب، وحدث التشرد للفلسطيني.
هذا الواقعُ العربي المرير، جعل بهجت أبو غربية - الذي خبَرَ هذا الواقعَ جرّاءَ انخراطه في الثورة الفلسطينية، منذ ثلاثينيات القرن الماضي في القدس - يصر على مقاومة ومحاربة كل الأوهام التي تنتشر في وعينا السياسي والثقافي، إذ إنه بالإمكان التصالح مع الصدمات التاريخية التي تعرضت لها الأمة العربية من قبل الاستعمار الغربي، و كان عنوانَها الأبرز: فقدانُ فلسطين.
إنها رؤية حقيقية تدعو لبناء مشروع الواقع ذاته، أو مشروع تحرر الإنسان، وإعادة تشكيل عقله ووجدانه، في ظل المتغيرات المعاصرة.
ويصر أبو غربية في هذا الصدد، على أن نفرق جيداً بين رؤية المتغيرات المعاصرة، والانخراط فيها بشكل أعمى. وكذلك يفرق هو بين ضرورة معرفة المتغيرات السياسية تحديداً، وتغييب هذه المتغيرات. فالأولى، تدفعنا إلى رؤية ذواتنا بشكل حقيقي، أما الثانية فتجعلنا هامشيين نتلقى الصدمات فحسب، وبالتالي نتعاطى معها كردة فعل، وهذا ما حذر منه بهجت أبو غربية طَوالَ الحوار معه، إذ أكّد على المنهجية العلمية في المقاومة، والتأسيس لرؤية معرفية منتجة لا تقع في فخ الطوباوية، بل تظل بعيدةً عن التقليد والتطبيل والتزمير لكل ما هو قادم من الغرب.
إنها دعوة للخلق والإبداع، بعيداً عن العَرض والتصنيف للأفكار.
ويصح أن نقارن أفكارنا من حيث علاقتُنا بالفكر الماركسي، الذي جاء من قراءة في تطورية التقدم الغربي بعد الثورة الصناعية، وإعمال أدواته على المنهج الديكارتي والجدل الهيغلي، الذي أنجب لنا الماديّةَ التاريخية والماديّةَ الجدلية، والفكر الغربي المعاصر بشقيه (الأبستمولوجي والأركيولوجي) اللذين جاءا في سياق تطور العقل الغربي، الذي اشتغل على الأفكار التي نراها منتشرةً في عالمنا العربي، سواءٌ أكانت هذه الأفكار حداثويّةً أم لا، والتي من فلكها نتاج تطور عقل غربي بامتياز.
ومن هنا، فلا توجد قراءة بريئة، ولا نحن ندعو إلى قراءة بريئة، حتى نبقى أسرى ثقافة الضحية، الأمر الذي رفضه بهجت أبو غربية، موضحاً في حواراته، أن قراءة الأفكار الغربية، التي استعمرتنا لأجلٍ حاضر، هي لب أسباب دراسة فقدان فلسطين.
ستسهم هذه الدراسةُ في زحزحة مشاكل الإنسان العربي، وإنزاله إلى الأرض التي نعيش عليها، لا أرض الأوهام والأحلام والطوباويات المستحيلة. وهذا العمل يتطلب بناءَ ثقافةِ مقاومة، تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي، وفي كلتا الحالتين، لن يتم ذلك ما دامت فلسطين مغيَّبةً عن الجغرافيا السياسية: العربية والعالمية حتى وإن بقيت في وجداننا، فلعل بهجت أبو غربية، أراد تأكيد خلق توازن نفسي وعقلي وواقعي، بين وجداننا العاطفي والواقع الذي تتجلى دلالاته في حضور فلسطين على الجغرافيا السياسية.