أصبح السعي وراء الحقوق الإنسانية، التي أقرَّتها الشرائع وسنَّتها القوانين، من سنن الحياة، وهو سعي لا يتكلَّل في كثير من الأحيان بالنجاح، فحق الإنسان في الأمن والسلام تهدده – دائماً – الحروب، وحق البشر في العمل أذهبته حُمَّى البطالة وفقرِ الاقتصاد أدراجَ الر
أنت هنا
قراءة كتاب مرافئ الذاكرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
أذكر مثالاً على هذا الوعي السياسي: عقد المؤتمرات الشعبية الفلسطينية، التي كانت تُقام في كل أنحاء الوطن، وتشكيل الجمعيات الإسلامية المسيحية، وهنا تتجلى عبقرية الشخصية السياسية الفلسطينية، التي أدركت مبكراً أهمية تشكيل مثل تلك الجمعيات كردّ عملي على محاولات ما كان يُعرف بحكومة الانتداب البريطاني التي أخذت تعمل على شقّ الصف العربي الفلسطيني، بإثارة الفتنة الطائفية، وإضعاف المقاومة الشعبية. وبالمناسبة، تم تشكيل تلك الجمعيات، في كل المناطق الفلسطينية، حتى تلك التي ليس فيها مسيحيون، وقد اعتبرت تلك الجمعيات قياداتٍ محليّةً لقيادة النضال اليومي ضد ممارسات سلطات الانتداب البريطاني، ومِن خلفها الحركة الصهيونية.
الحاج أمين الحسيني، وهو مفتي فلسطين، أكثر من شجَّع على تشكيل هذه الجمعيات، وكذلك موسى كاظم باشا الحسيني، الذي ترأس المؤتمرات الفلسطينية واللجنة التنفيذية طوال فترة العشرينيات من القرن الماضي حتى وفاته عام 1934. وكان والدي: عليان عبد العزيز، رحمه الله، رئيساً للجمعية الإسلامية المسيحية في مدينة الخليل من عام 1922 حتى عام 1924.
ولم تكن تلك الجمعيات رؤية شعبية مستهلكة تاريخياً، أو ذاتَ طابع تبريري هروبي من الناحية السياسية، بل كانت جمعيات نابعة من الوجدان الشعبي الفلسطيني، ولذا كان شعارها هلالاً في داخله صليب.
لقد أصبحت هذه الجمعياتُ تمثل حالة النهوض بالمجتمع العربي الفلسطيني، من النواحي النضالية والسياسية، وهذا ما جعل الجماهير الفلسطينية تلتفّ حولها، مما يدلل على قدرتها على نسف الأيديولوجيا الشعبية القابعة منذ عهود غابرة في اللاشعور الجَمْعي الفلسطيني، الذي كان لا يعاني من الأمية الثقافية فحسب، بل ومن أمية القراءة والكتابة أيضاً.
وهنا أذكر حادثة، أرى من الواجب ذكرَها، ذلك أن سلطات الانتداب البريطاني قامت باعتقال والدي، بسبب نشاطه في الجمعية الإسلامية المسيحية في الخليل، وترؤسه لتلك الجمعية، وقد أمضى فترة في السجن.
هذا النشاط المؤسسي الفلسطيني تتوّج بانتفاضة عام 1933، التي مهدت فيما بعدُ للثورة الفلسطينية الكبرى، المعروفة بثورة 1936.
والآن، ألا يمكن القول: إن الشخصية النضالية الفلسطينية، شخصية قوية وعملية وقادرة على استيعاب المتغيرات السياسية: المحلية والإقليمية والدولية؟ بلى، ومع ذلك يتوجب علينا التفريق بين المعرفة والاستيعاب والتنفيذ، والقدرات الفعلية التي يجب أن تتوافر في أية ثورة في العالم تقوم بالعمل النضالي ضد المحتل.