من رحم المعاناة التي نعيشها كمسلمين وعرب، رحت أبحث عن الدوافع التي تجعل الغرب يفعل بنا ما يفعله على مستوى الإنسان والأرض، واستغرق بحثي هذا فترة طويلة عشت نهارها وليلها مع صفحات ما كتب قديماً وحديثاً حول العلاقة التي قامت بين المسلمين العرب وبين الغرب، من بد
أنت هنا
قراءة كتاب معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
أما حياة الناس في أوروبا فقد كانت تعسة وشاقة وكئيبة، تموج دنياهم بالمناكر والسيئات، وهم عليها مقيمون وبها يتعاملون، بل لعلهم غدوا بذلك يتفاخرون ويتنافسون، وأضحى الحال عاما وعلى كل مستوى وإطار.
بدأ هذا الدرك - من الهبوط الإنساني العام - واضحا في جنبات حياتها، وملموسا في غاراتها على الشرق الإسلامي خلال قرنين من الحروب الصليبية. بدت ظواهر هذا الهبوط في الفكر والعلم والثقافة، والخُلق وأسلوب التعامل والتصرف، والنظرة إلى الآخرين وإلى الإنسان والالتزام بالقيم والعهود وكانوا عراة في الفكر والنفس والخُلق.
كان حال أوروبا هكذا عامّا، حتى في الطبقات العليا عندهم من الزعماء والحكام والسادة والنبلاء والإقطاعيين والرهبان - محتكري المعرفة القليلة المحدودة - دلَّ على ذلك المصادر الوفيرة المتواترة الأخبار.
يقول (لوبون) ( ): (إذا رجعنا إلى القرن التاسع والقرن العاشر من الميلاد، حين كانت الحضارة الإسلامية في إسبانيا ساطعة جدا، رأينا مراكز الثقافة في الغرب كانت أبراجا يسكنها (سنيورات) متوحشون يفخرون بأنهم لا يقرؤون، وأن أكثر رجال النصرانية معرفة كانوا من الرهبان المساكين الجاهلين، الذين يقضون أوقاتهم في أديرتهم ليكشطوا كتب الأقدمين النفيسة بخشوع، وذلك كيما يكون عندهم من الرقوق ما هو ضروري لنسخ كتب العبادة).
ويتابع (لوبون) قائلا: (ودامت همجية أوروبا البالغة زمنا طويلا من غير أن تشعر بها. ولم يبد في أوروبا بعض الميل إلى العلم إلا في القرن الحادي عشر وفي القرن الثاني عشر من الميلاد، وذلك حين ظهر فيها أناس رأوا أن يرفعوا أكفان الجهل الثقيل عنهم، فولوا وجوههم شطر العرب الذين كانوا أئمة وحدهم..)( ).
أما (ترند) فيقول: (من الثابت أنه بينما كانت أغلب أوروبا ترزح تحت نير الشقاء والعناء، ماديا وروحيا، أقام المسلمون في الأندلس حضارة زاهرة وحياة اقتصادية منظمة. لعب الأندلسيون دورا حاسما في تطور الفن والعلم والفلسفة والشعر، وأثرت حتى في أرفع أعلام الفكر النصراني للقرن الثالث عشر، كما عند (توما الأكويني ودانتي) فكانت إسبانيا - مرة - مشعل أوروبا)( ).
ويصف المؤرخ (ول ديورانت)( ) العالم الغربي ما بين عامي 565-1090م بكلمات تنم عن الحزن والإشفاق، فهو يقول: (إذا حولنا الآن نظرنا من الجانب الشرقي للنزاع الدائم بين الشرق والغرب، شعرنا من فورنا بالعطف على دولة عظيمة - يقصد دولة بيزنطة( ) - تنتابها محنتان في وقت واحد، تمزقها الانقسامات في الداخل، ويهاجمها الأعداء من جميع الجهات في الخارج. فقد كان (الآفار) و(الصقالبة) يعبرون (نهر الدانوب) ويستولون على أراضي الإمبراطورية وبلدانها؛ وكان الفرس يستعدون لاجتياح آسيا الغربية، وخسر (القوط) الغربيون إسبانيا، واستولى (اللمبارد) بعد ثلاث سنين من موت (جستنيان)( ) على نصف إيطاليا سنة 568م. وفشا الطاعون في جميع أنحاء الإمبراطورية في عام 542م، وعاد إليها مرة أخرى في عام 566م؛ وعمتها المجاعة في عام 569م، وعطلت الحروب والهمجية، والفقر، وسائل الاتصال ووقفت في سبيل التجارة، وقفت على الآداب والفنون، وعندما أراد الإمبراطور (موريق)( ) - موريس- أن يسعى لوقف التدهور الذي أصاب هذه الإمبراطورية، وأصدر أمرا يمنع الأديرة من قبول أعضاء جدد - كان الشباب يهربون من التجنيد ويلجؤون إلى الأديرة - إلا بعد زوال الخطر عن الدولة، نادى الرهبان بسقوطه. وتزعم (فوقاس) - الذي عمّر مئة عام - ثورة قام بها الجيش والعامة على الأشراف والحكومة سنة 602م، وذبح (فوقاس) أبناء (موريق) الخمسة أمام عينيه، ثم قطع رأسه، وعلقت الرؤوس الستة لتتمتع بها أعين الشعب، وألقيت جثثهم في البحر. وذبحت الإمبراطورة (قسطنطينية) وبناتها الثلاث، وكثير من الأشراف، وكان مقتلهم مصحوبا في العادة بضروب من التعذيب، فسملت أعينهم، واقتلعت ألسنتهم من أفواههم، وبترت أطرافهم، وارتكبت الفظائع التي تكررت فيما بعد أثناء الثورة الفرنسية)( ).