من رحم المعاناة التي نعيشها كمسلمين وعرب، رحت أبحث عن الدوافع التي تجعل الغرب يفعل بنا ما يفعله على مستوى الإنسان والأرض، واستغرق بحثي هذا فترة طويلة عشت نهارها وليلها مع صفحات ما كتب قديماً وحديثاً حول العلاقة التي قامت بين المسلمين العرب وبين الغرب، من بد
أنت هنا
قراءة كتاب معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
إن ما سردناه من حقائق هي غيض من فيض مما حوته بطون كتب التاريخ التي اطلعت عليها، وهي تزخر بحقائق مذهلة عن أوضاع أوروبا في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. في حين قطع العالم الإسلامي مرحلة كبيرة على هدى الإسلام، الذي كرّم الإنسان دون تفريق بين ذكر وأنثى. حيث يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر)( ).
ويؤكد عالم النفس والاجتماع الفرنسي (جوستاف لوبون) أن أثر المسلمين الحضاري، لم يقتصر على الشرق، وإنما كان تأثيرهم في الغرب لا يقل خطورة وأهمية. فإذا كان أثر المسلمين قد تجلى في الشرق واضحا في الدين واللغة، فإن أثرهم في الغرب قد تجلى في النواحي العلمية والأدبية والخلقية( ).
أما المستشرق الفرنسي (جان جاك سديو)( ) فيقول في كتابه (تاريخ العرب العام): (ومهما يكن الأمر فقد نجح العرب نجاحا باهرا في القيام بدور الوسيط بين مختلف الشعوب من الفرات حتى جبل طارق.. وساعدهم على ذلك ما امتازوا به من نشاط ليس له مثيل وتسامح عظيم، ولا سيما تجاه اليهود..)( ).
ولقد أنصف (ديورانت) المسلمين إلى حد بعيد حين ذكر بأمانة فضلهم على أوروبا وتأثر الغرب بالحضارة الإسلامية حيث يقول: (لقد ظل الإسلام خمسة قرون من عام 700م إلى عام 1200م يتزعم العالم كله في القوة، والنظام، وبسطة الملك، وجميل الطباع والأخلاق، وفي ارتفاع مستوى الحياة، وفي التشريع الإنساني الرحيم، والتسامح الديني، والآداب، والبحث العلمي، والعلوم، والطب والفلسفة). ويقول أيضا: (وكان الفن والثقافة في بلاد الإسلام أعم وأوسع انتشارا بين الناس مما كان في البلاد المسيحية في العصور الوسطى، فقد كان الملوك أنفسهم خطاطين، وتجارا، وكانوا كالأطباء، وكان في مقدورهم أن يكونوا فلاسفة).
ويتابع ديورانت قائلا: (وكان المسلمون أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ منهم للعهد، وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين، وقلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على (بيت المقدس)( )في عام 1099م. ولقد ظل القانون المسيحي يستخدم طريقة التحكيم الإلهي بالقتال، أو الماء، أو النار، في الوقت الذي كانت الشريعة الإسلامية تضع فيه طائفة من المبادئ القانونية الراقية ينفذها قضاة مستنيرون. واحتفظ الدين الإسلامي، وهو أقل غموضا في عقائده من الدين المسيحي، بشعائر أبسط، وأنقى، وأقل اعتمادا على الظاهرة المسرحية من الدين المسيحي)( ). ثم يقول: (لقد كان للعالم الإسلامي على العالم المسيحي أثر بالغ في مختلف الأنواع، فقد تلقت أوروبا من بلاد الإسلام الطعام، والشراب، والعقاقير، والأدوية، والأسلحة، وشارات الدروع ونقوشها، والدوافع الفنية، والتحف، والمصنوعات، والسلع التجارية، وكثيرا من الصناعات، والتشريعات والأساليب البحرية، والعلماء العرب هم الذين احتفظوا بما كان عند اليونان من علوم الرياضة، والطبيعة، والكيمياء، والفلك، والطب، وارتقوا بها، ونقلوا هذا التراث اليوناني بعد أن أضافوا إليه من عندهم ثروة عظيمة جديدة إلى أوروبا. ولا تزال المصطلحات العلمية العربية تملأ اللغات الأوروبية. وظل أطباء العرب يحملون لواء الطب في العالم خمسمائة عام كاملة، وفلاسفة العرب هم الذين
احتفظوا لأوروبا بمؤلفات (أرسطو)( ). وكان (ابن سينا)( ) و(ابن رشد)( ) نجمين لاحا من الشرق للفلاسفة المدرسين الذين كانوا ينقلون عنهما، ويعتمدون
على كتبهما، ويثقون بها ثقة لا تزيد عليها إلا ثقتهم بالنصوص اليونانية.