كانت الترجمة وستظل إحدى العوامل الأساسية في نشر المناهج وفي زيادة الاحتكاك بينها، فالباحث ومهما كان عليما باللغات الأجنبية لا يمكنه الاستغناء عن الترجمة ولو من باب ربح الوقت أو الإطلاع على المصطلحات العلمية المتداولة في علم من العلوم.
أنت هنا
قراءة كتاب التحليل السيميائي للنصوص
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
![التحليل السيميائي للنصوص التحليل السيميائي للنصوص](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/n50f.jpg?itok=BK3yC-YI)
التحليل السيميائي للنصوص
الصفحة رقم: 9
المدرسة الشكلانية
ساهمت الظروف التي عاشتها القارة الأوربية في مطلع القرن العشرين في إحداث تحولات كبيرة في مجال الفن والأدب. فقد عرفت الحياة الأدبية هيمنة النقـد السوسيولوجي ذي الخلفيات السياسية والإيديولوجية. ولم يعرف تراجعا إلا بمجيء التيار الرمزي الذي حاول الإلمام بأسرار اللغة الشعرية. غير أن الرمزيين أنفسَهم لم يتجاوزوا حدود مفهوم اللغة الشعرية الذي تعدته الشكلانية.
والشكلانية هو اللقب الذي أطلق على التيار النقدي الأدبي الذي راج بروسيا يبن السنوات 1915 و1930 وتبنته فرقتين:
الأولى تمثلت في مجموعة من الشباب أنشأت الحلقة اللسانية لموسكو تحت إشراف أكاديمية العلوم فيما بين سنتي 1914و1915. ومن أبرز عناصرها "جاكبسون" ."Jakobson"
والثانية هي حلقة سان بترسبورغ (ليننغراد) ويطلق عليها اسم جمعية دراسة اللغة الشعرية "OPOIAZ " وكان معظم أعضائها من طلبة الجامعة حيث قاموا بنشر أول كتاب جماعي حول الدراسة النظرية للغة الشعرية وعملوا بشكل وثيق مع حلقة موسكو. الهدف من وراء تأسيس مثل هذا التيار كان إدخال ما حققته اللسانيات في مجال الدراسات الشعرية والعمل على إيجاد طرق جديدة في دراسة اللغة لاسيما اللغة الشعرية لأنها ميدان أهملته اللسانيات التقليدية. وتجدر الإشارة إلى أن لقب ''الشكلانيين " الذي أطلق على هذه الجماعة من قبل معارضيها فيه تلميح لاهتمامها بالجانب الشكلي عند تحليل الوظيفة الشعرية للغة.
وسنحاول تقديم لمحة سريعة حول أهم المبادئ التي تبناها الشكلانيون والإنجازات التي كان لها الفضل في إعطاء دفع ثري للدراسات الروسية الشعرية وفي زرع البذور الأولى لنظريات أخرى مثل البنيوية والسيميائية. أول هذه المبادئ هو دعوتهم للدراسة المحايثة للغة بمعنى استخراج القوانين التي تحكم النص من داخله وتجنب أي تفسير خارجي وكما يقول جاكوبسون 'إن هدف علم الأدب ليس هو الأدب و إنما أدبيته يعني العناصر المحددة التي تجعل منه عملا أدبيا"*
وهم بجعلهم أدبية الأدب موضوعا لدراستهم ابتعدوا عن المفهوم التقليدي لثنائية الشكل والمضمون . فقد وضع الشكلانيون النص في مركز اهتماماتهم ورفضوا اللجوء إلى المقاربات النفسية أو الفلسفية أو السوسيولوجية التي كانت تسير الحركة النقدية آنذاك. فبالنسبة لهم لا يمكن فهم الأثر الأبي انطلاقا من حياة المؤلف أو من خلال تحليل الحياة الاجتماعية التي تحيط بالأثر.
المبدأ الثاني المعتمد يرتكز على رفضهم الفصل بين الشكل والمضمون فهم لا يعتقدون بأن الشكل " إناء يصب فيه سائل ما ( المضمون) وليس هو مجرد غشاء بل " وحدة intégrité " ديناميكية وملموسة لها معنى في ذاتها خارج كل عنصر إضافي (2).
أكد الشكلانيون في مقالاتهم التي صدرت في بداية حركتهم على أنه الاختلاف بين الشعر والنثر في جانب الصور إذ أن ميزة الأعمال الفنية جميعها تكمن في الإحساس بالشكل. فقد اعتبر شلوفسكي أن الصورة في الشعر هي وسيلة من بين وسائل متعددة تتجلى وظيفتها في جعل الشكل مدركا بصعوبة(3)
عرفت النظرية الشكلانية في مرحلة ثانية تكثيفا لأعمالها فقد تطرقت إلى عدد من المسائل المتعلقة بالنظرية الأدبية وكذا تاريخ الأنواع الأدبية في روسيا وفي الغرب عموما. فقد دعوا إلى ضرورة دراسة الأعمال التي لم تحظ من قبل باهتمام كبير كالمذكرات وأدب المراسلة وذلك من أجل تبيان الأنواع الأدبية المسئولة عن التوالد الأدبي ويعتقد تينيانوف في هذا السياق بأن(4) "التطور الأدبي (....) لا يحدث بواسطة الترسب (...) وإنما بواسطة انزلاق الظواهر من متوالية إلى أخرى وذلك حسب قوانين الطلب الأدبي(5). من المبادئ الأخرى التي تبنتها الشكلانية هي ميلهم إلى وصف تركيبة النص بألفاظ تقنية ورفضهم كل تأويل من شأنه أن يحجب عملية الإبداع. وبهذا عرفت دراسات الشكلانيين تحولا كبيرا فقد اتجهت إلى الدراسة العلمية والموضوعية للنصوص و أصبح روادها يتوخون الدقة والموضوعية في تحليلاتهم وهدفهم من ذلك استقلالية العلم عن كل نظرية .وتركيزهم لم يكن على إنشاء منهجية أو نظرية بل على نشر البادئ التي وضعوها .