قراءة كتاب وقت للعبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وقت للعبث

وقت للعبث

رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

خفّضت صوت التلفاز بجهاز التحكم قبل أن أشغله، وظهرت الصورة كما أردت من غير صوت. أمّا هي فلم تلتفت إلى شيء من ذلك على الرغم من زيادة الإضاءة في الحجرة فوراً. ظهر على الشاشة فريد ماك موري والترجمة مكتوبة. وهو فيلم قديم يُقدّم آخر الليل. استعرضت الأقنية وعدت إلى ماك موري بالأبيض والأسود وإلى وجهه القليل الذكاء. كان ذلك لما لم أستطع تفادي التفكير، وإن كان لا يفكر أحد قط في النظام الذي تُحكى فيه الأفكار أو تكتب، وفكرت: «ماذا أصنع هنا؟ أنا في بيت لا أعرفه، وفي مخدع فرد لم أره قطّ، ولا أعرف عنه سوى اسمه الأول الذي ذكرته زوجته على شكل طبيعي لا يُطاق مرّات عدّة خلال السهرة. وهو مخدعها أيضاً، لذلك أنا موجود هنا ساهراً عليها في مرضها بعد أن نزعت عنها بعض ثيابها، ولامست يدي بدنها، نعم، هي أعرفها وإن تكن معرفتي بها ضئيلة، فقد بدأت منذ أسبوعين فقط، وهي ثالث مرة أراها في حياتي. هتف لها زوجها منذ ساعتين لما كنتُ في بيته أتعشّى، هتف ليقول إنه وصل لندن سالماً، وإنه تعشّى في مطعم بومباي براسّوري عشاء رائعاً، وإنه يتأهّب ليأوي إلى السرير في حجرته في الفندق، وإن عملاً كثيراً ينتظره في اليوم التالي، وإنه في رحلة عمل قصيرة». ولم تقل له زوجته مارتا إني هنا أتناول العشاء معها، وهذا ما جعلني على شيء من اليقين أن ذلك العشاء كان عشاء غرامياً وإن كان الطفل ما يزال حينئذ مستيقظاً. وقد سأل الزوج عن هذا الطفل بلا ريب، فقد أجابته مارتا إن الطفل على وشك أن ينام. وأرجّح أن الزوج قال لها: «أعطنيه كيما أسلّم عليه»، لأن مارتا قالت: «خير له ألا تسلّم عليه، فهو أرق جداً، وإذا كلّمته فسوف يزداد نرفزة ولن تجد أحداً يدفعه إلى النوم». كل ذلك كان محالاً من وجهة نظري، لأن الطفل وهو في الثانية من عمره على زعم أمه، كان يتكلّم بشكل بدائي لا يُفهم إلا بمشقّة، وكان على مارتا أن تسدّد له وتترجم، والأمّهات أولى الهدّافات في العالم والمترجمات اللاتي يفسّرن ثم يصغن ما لم يصبح لغة بعد، ويفسّرن أيضاً الإيماءات ومظاهر الخوف، ومعاني البكاء المختلفة إذا كان البكاء مفكّكاً ولا يعادل الكلمات أو ينبذها أو يعيقها، وربمّا كان الأب يفهمه أيضاً، ولذلك طلب أن يكلّم بالهاتف ذلك الطفل الذي كان يتكلّم كل الوقت والمصّاصة في فمه ممّا يفاقم من صعوبة نطقه. لقد قلت له ذات مرة لمّا كانت مارتا غائبة عنّا لبضع دقائق في المطبخ، وظللنا أنا وهو وحدنا في الصالون الذي هو غرفة معيشة أيضاً، أنا جالس إلى المائدة والمنشفة على حضني وهو على الصوفا والأرنب القزم في يده، ناظرَيْن كلينا إلى التلفاز الشغّال، هو مواجهة وأنا بمؤخّر طرفي: «بالمصّاصة لا أفهمك». فأخرجها طائعاً وأمسك بها في يده بحركة فيها شيء من الأناقة (في اليد الأخرى كان يمسك الأرنب القزم) وردّد بفمه الخالي ما كان يرغب في قوله من غير نجاح أيضاً. وعدم سماح مارتا للطفل بتناول الهاتف زادني يقيناً على يقين.

الصفحات