رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:
قراءة كتاب وقت للعبث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وقت للعبث
لأن الطفل بشبه كلامه المعوق قد يستطيع على الرغم من كل شيء أن يدلّ أباه على وجود شخص يتناول العشاء في البيت. وأدركت بعد قليل أنه كان يلفظ المقاطع الأخيرة من الكلمات التي تزيد على مقطعين اثنين، حتى هذه كان يلفظها على شكل غير مفهوم (فقال: «رب» بدلاً من شارب، و"آتا" بدلاً من كورباتا، و"صاصة" بدلاً من مصّاصة و"ليه" بدلاً من فيليه، إذ ظهر على الشاشة عمدة ذو شاربين وأنا بلا شاربين وقدّمت لي مارتا على العشاء لحم فيليه إيرلندياً)، وكان من الصعب حلّ هذه الشيفرة حتى لو علم الأب ذلك. لكن هذا الأب ربما يكون ألِف هذه اللغة، وشحذ حاسّته في تفسير لغة بدائية يتكلّمها متكلّم وحيد لن يلبث بعد ذلك أن يهجرها سريعاً. كان الطفل يستعمل قليلاً من الأفعال، لذلك كان يشقّ عليه تشكيل جُمل بل كان يستعمل على وجه خاص أسماء وبعض النعوت، وكان كل شيء عنده له طابع الهتاف والتعجّب. لقد جهد ألا ينام بينما نحن نتعشى أولا نتعشى، فأنا كنت أنتظر عودة مارتا بعد ذهابها إلى المطبخ وعنايتها المفرطة الصبورة بالطفل. كانت الأم وضعت في تلفاز الصالون ـ وهو أوّل جهاز أراه في البيت حتى ذلك الحين ـ شريطاً ذا صور متحركة لترى إن كانت أضواء الشاشة تبعث فيه النعاس. لكن الطفل كان يقظاً وأبى أن يذهب إلى السرير، وهو بجهله العالم أو بمعرفته الهشة به كان يعلم أكثر مما أعلم، فكان يراقب أمه ويراقب هذا المدعوّ الذي لم يره قطّ من قبلُ في هذا البيت، وكان يقوم بحراسة مكان والده. مرّت عليّ لحظات عدّة أردت فيها أن أنصرف، فكنت أحس بأني دخيل أكثر مما أنا مدعوّ. وكان إحساسي بأني دخيل يزداد كلما اكتسبت اليقين من أن ذلك الموعد كان غرامياً، وأن الطفل يعلم ذلك على شكل غريزي كالقطط، وكان يحاول منعه بحضوره مكافحاً النعاس الذي يقتله، وجالساً بهدوء على الصوفا إزاء الصور المتحرّكة التي ما كان يفهمها، وإن كان يعرف الأشخاص لأنه كان يشير من حين لآخر بسبّابته إلى الشاشة. وقد وُفّقت إلى فهمه على الرغم من المصاصة، لأني كنت أرى ما كان يراه، فكان يقول: «تيتّان!» أو «طان!» وكانت الأم تُعرض عنّي مولية اهتمامها له، فتترجم أو تؤكد له كيلا تظلّ كلمة واحدة من كلماته المستجدّة البسيطة من غير احتفاء أو صدى. «نعم، هما تانتان والقبطان، يا حياتي». أنا كنت قرأت تانتان صغيراً في كتب كبيرة الحجم، أمّا أطفال اليوم فيرونه يتحرّك ويسمعونه يتكلم بصوت مضحك، لذلك لم أجد بدّاً من أن أشرد بذهني عن المحادثة المجزأّة وعن العشاء المتقطّع كثيراً، ليس لأني كنت أعرف الأشخاص فقط، وإنما أعرف مغامراتهم والجزيرة السوداء، وكنت أتابعها قليلاً بلا رغبة من مقعدي إلى المائدة من حين لآخر.