قراءة كتاب وقت للعبث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وقت للعبث

وقت للعبث

رواية "وقت للعبث" للكاتب الإسباني خافيير مارياس، والتي ترجمها إلى العربية الكاتب والمترجم علي ابراهيم الأشقر، نقرأ من أجوائها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 8

كان عناد الطفل بألا ينام ما جعلني على اقتناع بما كان ينتظرني (لو نام هو، ولو أردت أنا). كانت مراقبة الأم نفسّها وخوفها الغريزي ذاته ما نمّ عنها أكثر مما نمّ عنها صمتها أثناء محادثتها زوجها في لندن (أعني الصمت عن وجودي)، أو انتظارها لي وقد رتّبت نفسها غاية الترتيب، وأفرطت في زينتها، وتوردّت وجنتاها كثيراً كيما تكون في البيت آخر النهار (أو ربما كانت منوّرة). ظهور الخوف يبعث أفكاراً لدى من أصيب بالخوف، أو لدى من يبثّ الخوف، والحيطة المتخذة حيال ما لم يحدث يجلب الحدث، والشكوك تقرر ما لم يُبتّ فيه قطّ وتحركّه، والخوف من الخطر والترقّبُ يدفع إلى ملء الفجوات التي يخلقانها ويعمّقانها، شيء ما ينبغي له أن يطرأ إذا أردنا تبديد الخوف، والخير في أن نسعى به إلى غايته. فالطفل يتّهم أمّه بأرقه، والأم تتّهم نفسها بتساهلها؛ (خير لنا أن نقضي حفلتنا بسلام)، ربما هكذا كانت تفكر، أو أنها فكّرت هكذا منذ البدء؛ (فإذا ما أثيرت حفيظة الطفل هلكنا)، وكلتا الحالتين تزيل كلّ فعالية تنتج عن التمويه الذي لا مفرّ منه في الليالي الافتتاحية دائماً ممّا يفسح المجال للقول في وقت لاحق إنّ أحداً لم يسعَ إلى شيء ولم يرد شيئاً: وأنا لم أسعَ وراء شيء، ولم أرده. بل كنت أتّهم نفسي أيضاً، ليس بسبب جهد الطفل ألا يستسلم للنوم، وإنما بسبب موقفه منّي وطريقته في النظر إليّ مليّاً: فلم يدنُ منّي في أية لحظة كثيراً، وكان ينظر إليّ بمزيج من عدم التصديق والحاجة أو الرغبة في الثقة. وقد تجلّت هذه الرغبة خاصة لمّا كان يخاطبني بمفرداته التعجبيّة والمعزولة عن بعضها والغامضة دائماً تقريباً، يخاطبني بصوته القويّ الذي لا يُصدق أن يصدر عمّن كان في مثل حجمه. لقد أراني أشياء قليلة، لكنه لم يتخلّ عن أرنبه القزم؛ «الطفل على حقّ وحسناً فعل»، كنت أفكر، «لأنه ما إن ينام حتى احتلّ مكان والده المألوف خلال هنيهة من الزمن، ليس أكثر من هنيهة. هو كان يحس بذلك إحساساً مسبقاً ويريد أن يحمي هذا المكان الذي هو ضمانة له، لكنه، إذْ يجهل العالم ولا يدري أنه يدري، فقد مهّد لي الطريق بخوفه الشفّاف، ودلّني على القرائن التي تعوزني. فهو بعد كل شيء وعلى الرغم من أنه لا يعرف شيئاً، يعرف أمّه خيراً مني لأنها العالم الذي يعرفه خير معرفة، وهو في نظره ليس سرّاً. وبفضله لن أتردّد إن أردت الأمر هكذا». وراح يضطجع شيئاً فشيئاً مدفوعاً بعامل النعاس وانتهى إلى أن تكوّم على الصوفا جرماً دقيقاً قياساً إلى تلك القطعة من الأثاث ـ كالنملة في علبة كبريت فارغة، لكن النملة تتحرك فيها ـ، وظل ينظر إلى الفيديو مستنداً بوجهه إلى الوسائد والمصّاصة في فمه كتذكار أو شعار من سنّه الصغيرة جداً، وقد طوى ساقيه في وضع النوم، أو مقاربة النوم فاتحاً عينيه للغاية، فما كان يسمح لنفسه بإطباقهما ولو للحظة واحدة، وكانت الأم تنحني من حين لآخر من مقعدها لترى إن كان ابنها قد أغفى كما كانت ترغب فيه، إذْ كانت المسكينة تريد أن تبعده عنها، وإن يكن حياتها، كانت المسكينة تودّ أن نبقى معاً وحيدين لمدّة لا خطر فيها (لكنّي أقول "المسكينة" الآن ولم أفكر حينئذٍ في قوله، وربما كان ينبغي لي أن أفعل).

الصفحات