أنت هنا

قراءة كتاب ذائقة الموت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذائقة الموت

ذائقة الموت

رواية "ذائقة الموت" للشّاعر والرّوائيّ الأردنيّ أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، وهي الرّواية الثّالثة له بعد روايتَي "يا صاحبي السجن" و"يسمعون حسيسها".

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

أينَ يمضي؟! طرق رأسَه بهذا السّؤال غير أنّ حروفه ذابت في الفراغ الواجم، وغرقت في بحر السّواد· ما الّذي أخرجه من البيت في هذه السّاعة الجنونيّة؟! ما الّذي يفعله بالضّبط؟! لِمَ هو هنا؟! هل ما يراه، يراه حقيقة أم أنّه جزءٌ من خيالاته الغادرة؟! تحرّكت قدماه إلى الأمام تنقلان الخطو غير عابئتين بما دار في باله من أسئلةٍ قبل قليل، أدركَ أنّه مدفوعٌ بقوّة خفيّة إلى الحركة، حاول أن يجمّد خطواته فأخفقَ··· استسلم لأقداره، وراح يمشي على ما تبقّى من السّور، ترك الزّاوية الجنوبيّة، وتابع سيره على حرف الجهة الشرقيّة، صارت المقبرة بأكملها على يساره، كانت ترتفع صعودًا حتّى تبلغ أعلى ارتفاعٍ لها في الجهة الغربيّة، وبدت القبور للحظة كأنّها مدرّج رومانيّ تتصاعد مقاعده، وبدت الشّواهد كأنّها جمهورٌ ينتظر مسرحيّة من نوعٍ ما··· كان قد وصل منتصف الجهة الشّرقيّة، حين تأكّد أنّه الآن في قلب المسرح، وأنّه الممثّل الوحيد الّذي تجمّعت أمامه كلّ هذه الجماهير لتسمع وترى ما سيقوم به الآن··· نهش وحشُ الخوف قلبه لمّا تملّكه هذا الإحساس، أجاء لِيُلقي دورًا أمام مسرح الموتى، وماذا عساه يقول وهو فقيرُ الكلمات، شحيح المعرفة، أمّا هم؛ هؤلاء السّاكنون هنا، فعندهم الخبر اليقين··· ماذا لو عكس الأدوار، فصار هو الجمهور، وصار الموتى هم المُمثّلين··· ماذا سيقولون حينها؟! لم يكدْ يفكّر بهذا الخاطر، حتّى هبّ الأموات من قبورهم دفعةً واحدةً يرفعون أيديهم، ويصيحون··· طوّح جسده في الهواء مثل مئذنةٍ تتأرجح، في اللّحظة الأخيرة وهو ينحني برأسه راكِعًا استطاع أن يُوازِن نفسه ويعتدل··· أحسّ بدفءٍ في قدميه، نظر إليهما، كانت الدّماء تفور منهما··· ظلّ ينزف وهو واقفٌ دون أيّ حراك، أمّا أصوات الموتى فظلّت تتداخل فيما بينها، لا يكاد يفقه مِمّا يقولون شيئًا··· في اللّحظة الفارقة بين حياتين، وعندما استنفد كلّ مخزونه من الدّماء، وجد أنّ دماءه الّتي لمعتْ على ضوء القمر قد خطّتْ على الجِدار: إذا لم تستطع أن تموت كما تريد فعليك أن ترمي نفسك في حفرة العدم··· أدرك أنّه سوف يقع داخل المقبرة لا خارجها كما كان يتمنّى··· دَفَعَتْهُ يدٌ خفيّةٌ من خلفه، واستسلم لها، سقط إلى الدّاخل··· وعلتْ أيادي الموتى وهُتافاتهم مرحّبة···

الصفحات