رواية "ذائقة الموت" للشّاعر والرّوائيّ الأردنيّ أيمن العتوم، الصادرة عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، وهي الرّواية الثّالثة له بعد روايتَي "يا صاحبي السجن" و"يسمعون حسيسها".
قراءة كتاب ذائقة الموت
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ذائقة الموت
- أنا الّذي أرجوك··· دعْني أقفْ إلى جانِبها· أنا متأكّدٌ أنّها إذا شمّتْ رائحتي فستصحو· عقود الموت الغابرة لم تمنعها من أن تُحاول الحياةَ الهاربة!!
- لا بُدّ أنّك تهذي· اذهب واسترحْ على أحد المقاعد···
- أرجوك أنا ابنها الوحيد؛ وطَوال سنوات الغياب في الآبار المُظلِمة لم ترني·· لم تكنْ من وسيلةٍ واحدةٍ لذلك!!!
- أفففف··· يبدو أنّك عنيد··· ادخلْ ولكنْ بهدوء· ولا تُشعِرْ أحدًا!!
- شكرًا···
أزحتُ الباب بهدوء، ودخلتُ الغرفة على أطراف أصابعي··· في الفراغ الواقع بين طبيبَين يُحاوِلان إنعاشَها وجدتُ مكانًا لأسترق النّظر إلى وجهها··· كان وجهها خالِيًا من الحياة الّتي أعرفها!! كان أنبوب التّنفّس الاصطناعيّ يستقرّ في فمها، ويعبر شفتين بدتا يابِستيْن، وجِسْمها المُسجّى يبدو أنّه استسلم أخيرًا لشيءٍ ما··· أخذتُ نفَسًا عميقًا لأحبس طوفان الدّموع، وأجلتُ عينيّ فيما تبقّى من فراغٍ في الغرفة، وتساءلتُ بلوعة: أين يقف الموت يا تُرى؟! في أيّ زاوية يقبع؟! خلف هذه الحلقة من الأطبّاء، أم أمامهم؟! لا بُدّ أنّه قريبٌ منّا جميعًا· اليوم سيزور أحدَنا· أُدرك ذلك من الرائحة الّتي تنبعث في أرجاء الغرفة!! هل للموت رائحة؟! هل أستطيع إذا أمعنتُ النّظر أن أراه؟! هل من سبيل إلى الحِوار معه؟! أينَ أنتَ أيّها الموت؟! هل تقف إلى جانبي، أم إلى جانب جدّتي، أم إلى جانب واحدٍ من هؤلاء الّذين يرتدون ثيابًا بيضاء؟! جرّبْتُكَ كثيرًا من قبلُ في الرّاحلين فإلى أيّ صفٍّ من الباقين ستنحاز اليوم؟! مَنِ الّذي اخترتَه فينا؟! هل أنتَ ملاك؟! إنْ كنتَ كذلك فَلِمَ تَغَصّ اللّهاةُ حينَ تراك؟! قد تكونُ ملاكَ رحمة أو ملاك عذاب!! إنْ كنتَ ملاكَ رحمةٍ فلم تَشخَص الأبصار كأنّ رُعبًا اختطفها من محاجرها!! ولِمَ تتبعك وأنتَ ترتقي إلى السّماء عبر سقف الغرفة، كأنّها رُبِطت بين يديك بخيوطٍ وسللْتَها خلفَكَ وأنتَ تعلو وتعدو· وإنْ كنتَ ملاكَ عذابٍ فَلِمَ ترتسمُ بسمةٌ ورديّةٌ على شِفاه مَنْ رأوك، وتركوها دليلاً على وجودك الشّفيف قبل أن يلفِظوا آخر أنفاسهم!!