قراءة كتاب الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

الصـومال ومشكلات الوحدة الوطنية من الممالك القبلية الى المحاكم الاسلامية

تعرض الصومال لأطماع استعمارية من قبل الدول الأوروبية الغربية لما يمتلكه من موقع استراتيجي في منطقة القرن الإفريقي، وإشرافه على طرق الملاحة الدولية.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

وكانت فرنسا تهدف من وراء تلك الحملات الحصول على معلومات وافية لتسهيل مهمة اختيارها قاعدة لتجارتها مع تلك الجهات، وتحقيق مشروعها الاستعماري الذي عرف باسم مشروع البحر الأحمر-المحيط الأطلسي-والذي يهدف إلى ربط ممتلكاتها على ساحل البحر الأحمر الغربي، بممتلكاتها على ساحل المحيط الأطلسي، وذلك بالزحف من الشرق ومن الغرب معاً صوب حوض النيل.
ثم جاءت مدة تطبيق هذا المشروع عملياً، في عهد الإمبراطورية الفرنسية الثانية 1858 وهو الوقت الذي أنشئت فيه وزارة الجزائر والمستعمرات الفرنسية لأسباب من بينها احتلال إنكلترا لجزيرة بريم في باب المندب عام 1857، ثم رفض السلطات الإنكليزية، في عدن تموين السفن الفرنسية المتجهة إلى الشرق الأقصى، إبان الحرب الفرنسية في الهند الصينية، تحت ذريعة أنها تقف على الحياد، بالإضافة إلى تطور العلاقات التجارية بين فرنسا والحبشة، مما دعا فرنسا إلى أن تبحث لنفسها عن قاعدة تكون مركزاً لنشاطها التجاري في المنطقة، ولتموين السفن الفرنسية أثناء مرورها في خليج عدن.
وقد تلقت الحكومة الفرنسية في عام 1858 تقريراً من أحد رجالها الموجودين في أحد أقاليم الصومال، وهو الكابتن (ليجيني) الذي قام بجولة استطلاعية في موانئ بربره وزيلع وخليج تاجورة، جاء في التقرير (أن الشيخ أبا بكر إبراهيم شيخ زيلع، قد طلب الحماية الفرنسية، وذلك لتعرضه لمضايقات كثيرة من قبل السلطات البريطانية، مما جعله يستعين بالفرنسيين لحمايته من البريطانيين، وهذا الشيخ فقد منصبه بسبب الإنكليز، لاتهامهم إياه بموالاة فرنسا، وبتجارة الرقيق، كما قاموا بمصادرة أحد سفنه، وأنه تعهد بتسهيل مهمة شراء قطعة أرض بالقرب من تاجورة لفرنسا في حالة ما إذا قبلت أن تمنحه حمايتها).
وقام الكابتن (ليجيني) بناء على طلب حكومته بتوزيع الهدايا والأسلحة على الشيوخ، وتأليب القبائل الموالية لفرنسا ضد الإنكليز (قبائل العيسى).
هكذا كانت فرنسا تعمل على استقطاب زعماء القبائل وكسب ولائهم، مستغلة بذلك عدائهم للإنكليز، وقد اقتفت فرنسا، أثر بريطانيا في سياستها المعروفة بافتعال الأزمات والحوادث، ومن ثم إجبار الزعماء المحليين على الدخول معها بمعاهدات حماية ومصالح تجارية، وحرصت فرنسا على أن تثبت في هذه المعاهدات (أن هؤلاء السلاطين رؤساء مستقلين، يتمتعون بسيادة تامة على بلادهم)، لكي تضفي الشرعية على هذه المعاهدات.
وفي عام 1859 غرق ممثل القنصلية الفرنسية في عدن (هنري لامبرت) الذي ابتاع من الشيخ أبي بكر إبراهيم سلطان امبابو الواقعة شمال تاجورة منطقة على الساحل جنوب خليج تاجورة، غرق عند عبوره من مدينة الحديدة (باليمن) وقد آثار هذا الحادث فرنسا التي اتهمت حاكمزيلع (علي شير ماركي) بأنه حرض المواطنين على قتل لامبرت، رغم أن الوثائق الإنكليزية تؤكد أن هذا الحادث كان ناتجاً عن اصطدام القارب الذي كان يستقله بصخرة كبيرة.
وبعد هذا الحادث، استغلت فرنسا هذا الموضوع (حادث الغرق) لتمارس ضغوطها على الشيوخ المحليين، ومن ثم إجبارهم على تقديم طلب الحماية الفرنسية، وفي أعقاب ذلك، اشترت فرنسا ميناء أوبوك في عام 1862، من أحد رؤساء القبائل بمبلغ (50.500) فرنكاً فرنسياً،ووقع الشيخ أحمد ديني (من قبائل العفر) في باريس على اتفاق البيع.
لقد كان تركيز فرنسا على منطقة تاجورة نابع من الأسباب التالية :
كان فيها عدد من الكاثوليك ويرغبون بالحماية الفرنسية، وكان إبراهيم أبو بكر أحد المتنفذين، يحارب بريطانيا ويخشى من سيطرتها على تلك المنطقة، خاصة بعد أن حجزت بريطانيا إحدى بواخره التي ادعت بأنها كانت تنقل الرقيق.
وقد حاولت بريطانيا أن تغض الطرف عن الاتفاقات الفرنسية مع بعض زعماء القبائل الصومالية في بادئ الأمر، وذلك لانشغالها بالقضاء على الثورة العرابية في مصر، حيث أرادت أن تضمن حياد فرنسا، وعدم وقوفها إلى جانب الثورة العرابية.
لقد عملت السلطات الفرنسية، على اتخاذ ميناء أوبوك قاعدة انطلاق لبسط النفوذ الفرنسي على الصومال، وبالتالي الضغط على بريطانيا المنافس التقليدي لها في شرق إفريقيا، ومن ثم قطع الطريق أمامها والحيلولة دون تكوين إمبراطورية بريطانية، تمتد من الشمال إلى الجنوب من الإسكندرية حتى مدينة الكاب.
بيد أن الفرنسيين ما لبثوا أن أسسوا في عام 1887 محطة أفضل من أوبوك، عند رأس جيبوتي التي تطل على نهاية طريق القوافل من هرر والحبشة وسرعان ما رحل التجار الفرنسيين من أوبوك، واتجهوا بقوافلهم إلى جيبوتي، كما انتقلت السلطات الفرنسية نفسها من أوبوك إلىهذا الميناء الجديد، الذي تم اتخاذه في سنة 1890 عاصمة للمستعمرة الفرنسية (الصومال الفرنسي)، وبعد أن خول إمبراطور إثيوبيا (منليك الثاني) عام 1894 فرنسا امتياز إنشاء خط حديدي، يصل أديس أبابا بميناء جيبوتي. وقفت فرنسا إلى جانب إثيوبيا، في توسعها على حساب الأراضي الصومالية إلى حد مساندتها لإثيوبيا في حربها ضد إيطاليا، وفي النهاية انتصار إثيوبيا في معركة عدوة عام 1896، وفي أعقاب ذلك، تنازلت فرنسا عن جزء من الأراضي الصومالية التي كانت تحتلها من أراضي (الصومال الفرنسي) ومنحتها لإثيوبيا في عام 1897.
إن مساعدة فرنسا لإثيوبيا في حربها ضد إيطاليا، لم تكن مجرد وسيلة لزيادة النفوذ الفرنسي في إثيوبيا، فحسب بل كانت أيضاً مظهراً من مظاهر مقاومة فرنسا لإيطاليا، بسبب تنافس البلدين في شمال إفريقيا، (قضية تونس) من جانب، وبسبب انضمام إيطاليا إلى الحلف الثلاثي الذي كونه بسمارك، وضم ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا، في مواجهة فرنسا من جانب آخر، وثمة سبب آخر لعداء فرنسا لإيطاليا، هو تقرب هذه الأخيرة إلى بريطانيا (إبرام معاهدة صداقة وعدم اعتداء)- التي كانت المنافس التقليدي الأول لفرنسا إلى أن تم في روما (عاصمة إيطاليا) اتفاق بين إيطاليا وفرنسا عام 1935 لتسوية المنازعات الناشئة عن مناطق نفوذ كل منهما، في إفريقيا الشمالية، ومنها تنازل فرنسا عن (2500) سهماً من أصل (34000) سهم في سكة حديد جيبوتي أديس-أباب لإيطاليا، وبذلك أنهت فرنسا نزاعها مع إيطاليا حول مستعمراتها في إفريقيا، وباشرت فرنسا سياستها في (الصومال الفرنسي) دون منازع سواء كان من جانب إثيوبيا، التي عقدت معها صفقة من التنازلات على حساب الوحدة الوطنية للشعب الصومالي، أو من جانب بريطانيا التي تركتها فرنسا تنفرد بشؤون مصر.
وقد عملت فرنسا على ضم الأقليم (الصومال الفرنسي) ضمن اتحاد فرنسا فيما وراء البحار، والذي يستند على ربط هذه الأقاليم بالنظام الفرنسي، بهدف الادماج التام بينهما، وإخضاعهما لسيطرتها وفق مصالحها الخاصة.
وبهذا الشكل تكون فرنسا قد ربطت (الصومال الفرنسي) بها وعدته جزءاً لا بتجزأ منها، مثلما عدت الجزائر جزءاً لا يتجزأ من فرنسا، وقد تأكد هذا الموقف عندما دعيت فرنسا إلى منح الصومال الفرنسي استقلاله أسوة بالصومال البريطاني ، ليتسنى له الاتحاد مع شقيقه (الصومال البريطاني، والإيطالي)، وقد رد مندوب فرنسا في الأمم المتحدة قائلاً(أن الصومال الفرنسي لم يعد اسمه الصومال،بل صار اسمه، إفريقية الشرقية الفرنسية).

الصفحات