أنت هنا

قراءة كتاب لقاء التاريخ بالعصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لقاء التاريخ بالعصر

لقاء التاريخ بالعصر

كتاب "لقاء التاريخ بالعصر: دعوة لنبذ الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل"، الدراسات الأكاديمية العربية بشأن ابن خلدون ليست بالقليلة··· وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المفكر في فلسفة التاريخ والاجتماع في الحضارة العربية الإسلامية لم يدخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

نقد سياسي لواقع متطاول··· متى نصلحه ؟

جاء ابن خلدون - كما ألمحنا - في نهاية المشـهد الحضاري الإسـلامي، لذلك لم يتح (البناء) على ثورته الفكرية في حينه· وفي عصرنا الحديث، جاءت مدارس الفكر الأوربي المستمدة من خصوصيات مجتمعاتها - على الرغم من أهميتها كمقاربات عامة - فصرفت أكثر المثقفين العرب عن واقع موروث تحت أرجلهم· ومازالت حاجتنا الفكرية والواقعية قائمة لرؤية هذا الواقع بقراءة (المقدمة) قراءة متأنية·
في لمحة رائعة ينبه ابن خلدون إلى أن أهل الحل والعقد في الإسلام ليسوا رجال الدين المعممين، الذين لا قوة وراءهم غير اشتغالهم بعلومه؛ لأن : (الشورى والحل والعقد، بتعبيره، لا تكون إلا لصاحب عصبية (أي قوة اجتماعية) يقتدر بها على حل أو عقد··· وأما من لا يملك من أمر نفسـه شيئًا··· إنما هو عيال على غيره، فأي مدخل له في الشورى··· اللهم إلا شوراه فيما يعلمه من الأحكام الشرعية (وهي) متحققة في الاستفتاء منه، أما شوراه في السياسة فهو بعيد عنها لفقدانه العصبية والقيام على معرفة أحوالها··· وإنما إكرامهم (أي رجال الدين) من تبرعات الملوك والأمراء (فمغزاها أن تكون) الشاهدة لهم بجميل الاعتقاد في الدين وتعظيم من ينتسب إليه··· الخ) (وليس لكونهم من أهل الحل والعقد كما قد يتبادر إلى الأذهان)·
هكذا بحسم فكري، يقرر ابن خلدون، وهو ليس مفكرًا اجتماعيًا فحسب وإنما من علماء الحديث الشـريف وقاضي القضاة بمصر، أن رجال الدين أهل شورى في علوم الشرع، لا في الحل والعقد بشأن مصير الأمة التي هي لغيرهم من قادة القوى الاجتماعية المؤثرة· ومثل هذا الحسم الفكري ينهي جدلاً طويلاً عقيمًا تشهده الساحة الإسلامية في أيامنا··· وما أحوجنا إليه من عالـم ديـن وحديث وقضاء مثل صاحب (المقدمة) !
وكما تعانيه المجتمعات العربية إلى اليوم، يكتب (معاصرنا) ابن خلدون : (إن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة)، وهو ملحظ يحتمل مجلدات في إشكالات الدولة العربية الحديثة والمعاصرة··· وتكفي للفت الأنظار إليه ما تحمله أنباء النزاعات الداخلية العربية·
وفي لقطة واضحة تسجل عجز المجتمع المديني (المدني) وافتقار القوى السياسية المدنية إلى أسنان سياسـية تدافع بها عن نفسها، كتب ابن خلـدون في جذور هذه الإشكالية: (وأهل الحاضرة عيال على غيرهم في المدافعة والممانعة)، ملخصًا الحقيقة القائمة في التاريخ العربي وهي احتياج الحواضر إلى قوى البادية المحاربة للدفاع عنها (أو قوى الأرياف في عصرنا، التي مثّلت القوى المجتمعية الضاربة وراء الانقلابات العسكرية والدينية ومازالت)، بما نجم عن ذلك من ثمن باهظ تدفعه المدن من حرياتها ومستواها المدني التحضري، وغياب إرادتها السياسية في تقرير نظامها السياسي· وحسب الرؤية الخلدونية المسـتمدة من تجارب التاريخ العربيـة : كلما مرت دورة وانغمـس البـدو المحاربون في (ترف) الحضارة المدنية، فقدوا فضائلهم الحربية وتعرضوا لغزوة جديـدة من بدو محاربين جدد، وهكذا· وحسب طبيعة التطور المجتمعي في المرحلة الراهنة؛ فليس من الضروري قدوم الغزوة الجديدة من البادية في هيئة غزو حربي مكشوف، إذ إن الهجرة السكانية الريفية (والبدوية) إلى المدينة تخلق بالتدريج واقعًا ديمغرافيًا في المدينة (وفي أحزمة البؤس المحيطة بها)، يؤدي إلى ظهور (قوة) سكانية معادية لأنماط العيش في المدينة ونظام حكمها، بما يؤدي إلى انقلاب عسكري أو ديني تدعمه تلك القوة غير المدنية، وهو ما يلخص التاريخ السياسي العربي والإسلامي المعاصر، وربما لم نصل إلى نهاية مشاهده، بعد··· ما لم تتم المبادرة إلى تمدين الريف والبادية بدل ترييف المدينة وبدونتها، وهو ما حصل بوتيرة متصاعدة العنف في أيامنا·· ومسـاكين أهل الحاضرة إن بقوا (عيالاً على غيرهم في المدافعة والممانعة)، حسب تعبير ابن خلدون· وقد أسهب الباحثون في عرض أفكاره بشأن أبعاد الصراع بين قوى البادية وقوى الحاضرة في النسيج المجتمعي العربي، بما لا يسعه حيز هذه الدراسة الموجزة، مكتفين بهذا الانعكاس السياسي على قوى المجتمع المدني (المديني)، الذي حان الوقت ليتحول إلى آليات القوة الفاعلة بدل البقاء أغلبية صامتة لا حول لها ولا قوة· والجدير بالذكر أن أهل الحاضرة الكويتية، بين أمثلـة أخرى، بنوا (ســور الكويت)، مثلما أقام الصينيون (سور الصين)، على اختلاف الحجم والكثافة السكانية· وهدف السورين واحد وهو حماية الوجود الحضري من الاكتساحات الرعوية، إلا أن مثل هذه المؤثرات في أيامنا لم تعد توقفها أسوار المدن في ظل الهجرة المسـتمرة - بشريًا وبالتالي فكريًا - من البوادي والأرياف إلى المدن·

الصفحات