هذا الكتاب يثير المسألة من زوايا علم الاجتماع الديني والأنثروبولوجيا الثقافية السياسية، ويطمح إلى تصحيح العلاقة بين الجماعات المكوّنة للبنان والمشرق العربي، حتى يتاح للجميع الاندماج الوطني والعربي في أنظمة أكثر تحرّراً وديمقراطية وعدالة.
أنت هنا
قراءة كتاب نقد التضليل العقلي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
3· الشيعة نتاجُ الإسلام في تطوّره وتحضّره :
التشيّع في تمظهره الاجتماعي، وولاداته التاريخيّة على مراحل، هو وجهة نظر داخل الإسلام، ووجهة نظر إلى الإسلام ذاته· وبين الوُجهةِ والنّظر، يستمرّ التّطوُّر التاريخي بلا انتظار، إلاّ في محطّات التحضّر الاجتماعي· وفي سياق التحضّر الاجتماعي للمشرق العربي، آلَ الأمرُ إلى تجديد المذاهب وتحديثها، وإعادة تسييسها وتزويدها بمعظم أدواتِ الصراع حول السلطة في المجتمع والدولة· ولطالما جرى تجاهلُ التشيّع بوصفه ظاهرةً اجتماعيةً (متموضعة في عدّة أقطار عربيّة (لبنان - سورية - العراق - الكويت - البحرين - دُبي - اليمن والسعودية الخ)، وإسلامية وعالميّة· هذه الظاهرة لم تُدرس في كليّتها، كما هي، في مكانها وركائزها، في ثوابتها وتحوّلاتها، وفي صلتها أو صلاتها بالمذاهب الأخرى، إلاّ من زاوية إيديولوجية· لكأنَّ الشيعة والآخرين ما زالوا فوق التاريخ، ينسجون بخيالهم الاعتقادي سديماً لأنفسهم وللآخرين، ويعيدون تشكيلَ ما هو متشكّل فعلاً في المجتمع، متناسين العلاقة بين المتشكّل واللا متشكّل، آملين وهميّاً بعودة الكلّ الى الواحد، وبانفتاح العولمة الإسلامية على العولمة الغربية، عبر مضائق المذاهب والطوائف التي يتحصّنون في حصونها الإيديولوجية، فيما قطاراتُ الحداثة الاجتماعية والتكنولوجية، الإعلامية والعلمية والاقتصاديّة، تمخرُ بلدانهم دون أن تجد لنفسها محطّةً واحدةً، ثابتةً في أيٍّ منها · فهل يمكنُ لأيّ مذهب ديني أو سياسي - ديني أن يأمل بعولمة ذاتيّة من دون تعولمه العضوي أو مشاركته الفعّالة في تجديد العولمة الإسلامية السالفة، ومن ضمنها العولمة الشيعيّة المنشودة ضْمناً في اللامتشكّل الإسلامي، المفروض أنّه حرّ، مفتوح، مُتاح أو مباح للجميع، فيما الواقع السوسيولوجي مناقضٌ لكل هذا الظنّ الاعتقادي، الذي تساوق في لبنان ومشرقه العربي، مع ظنّين آثمين آخرين: ظنّ التكفير في مستوى الرأي، وظنّ التخوين في مستوى السياسة أو الممارسة الاجتماعيّة للرأي المختلف، وهكذا، باجتماع الظنون، يضطردُ المظْنُونُ (Le cru) ويسودُ بلا هوادة على المفهوم أو المعلوم (Le Su)؛ وينتشرُ هذا الواقعُ الظنّي، بلا حدود، حتى ليعتقد أهل الظنون أنهم هُم وحدهم (أهل العلوم)، ما دام شاغلُهُم هو المجهولُ، لا الممكنُ علمهُ وفهمُه وتوظيفُه في إصلاح دُنياهم· ذاك أنَّ المجتمع الديني، النبويّ، والإماميّ الشيعي خصوصاً، يضع الدنيا وراءه، والدّينَ أمامه سوسيولوجياً، طالما نحن مشغولون عنها بديننا، أو بمذهبنا أو بتفاصيل سلوكنا الديني؟ وبالطبع، لا تأتي الإجابة من داخل هذه المساءلة، بل تأتي من خارجها، من الآخرين، الذين لم تتمكّن مجتمعاتنا بعدُ من إنتاج نظام للشراكة التاريخية معهم· إنَّ في لكم دينكم ولي دينِ مُفاصلةً تاريخيّةً ودنيوية أيضاً· وكذلك في أقوال خاصّة المذاهب المكرَّسة اجتماعياً في إسلام اليوم: (لكم مذاهبكم أو طوائفكم، ولي مذهبي أو طائفتي)! وما حدثَ هو أنَّ ما عجزت عنه إيديولوجيّات القرن العشرين، السياسية والعلمية والدينية، تدَّعي تجاوزه علومٌ بحتة وإنسانية، وتراهنُ على فرضِهِ واقعاً جديداً في الألفيَّة الثالثة· فهل يتقبّل الشيعة هذه الفرضيّة العلمية، وهم ينتظرون عالميّتهم الخاصة بهم، مع ظهور إمامهم المهدي، الثاني عشر والأخير؟ أم تُراهم مقبلون على إندماج جديد في العالم العربي (بعروبتهم) وفي العالم الإسلامي (بإسلاميّتهم المناضلة)؟ وفوق ذلك ، هل لهذا التقبّل وذاك القبول صلة ما، سوسيولوجيّة، بالتحوّل العالمي المتواصل الحدوث، بلا حدودٍ معروفة سلفاً؟ إنها أسئلةً كبرى تتجاوز جيلنا وجيل أولادنا، الذين شهدوا تعاقب السياسي، والديني على السلطة في المشرق العربي والعالم الإسلامي، ولم يشهدوا تعاقب العلمي والديني في المجتمع، كما حدث في أوروبا وأميركا وشرق آسيا· وبما أنَّ رقّاص العولمة يؤشر، منذ الآن على تعاقب العلمي والسياسي في جانبٍ من العالم المعاصر، فإنّ رقّاص المذاهب الإسلامية ما زال يؤشر، في الخطاب الإسلامي العام، على تعاقب الديني والسياسي، وعلى اعتبار الدين (المذهب ضمناً) هو التاريخ والسياسة··· وكل شيء ··· حتى العلوم نفسها· وعليه، نكتشفُ أن الساعة المذهبيَّة (الدينية أصلاً وفصلاً) تنبضُ في اتجاه مغاير لاتجاه السّاعة العلمية، ولو تظاهر حاملوها باستعمال أدواتها، بلا تخوّف· فالخوف يكمنُ في المكان العربي، في مسرح الظلال المذهبيّة، وإنْ غطّاها سيّد قُطب ومحمد باقر الصدر وسواهما بـ ظلال القرآن أو ظلال الإسلام· لم يتوضّح بعد، في بلادنا مدى استغناء المذهبيّ أو الدينيّ عن العلميّ، بقدر ما تحدّد في أماكن أخرى من العالم، مدى استغناء العلمي عن سواه، ما عدا السياسي كحاكم ومموِّل، كمُدافعٍ ومتاجر، الخ· والحال، مع تحديث التعليم وتطور البحوث العلميّة، واقتحام العولمة للمجتمعات المُغلقة، وفتحها بالعلم والإعلام، كما بالتكنولوجيا والثقافات واللغات والأسواق، ما هو نصيبُ المذاهب الإسلامية (ومن ضمنها مذهب التشيّع الإسلامي، بكل ألوانه، الإماميّة الإثني عشرية، والإمامية الزيدية، والعلوية والدرزية (التوحيدية)، وكل ما ينتسب ولو من بعيد إلى هذا المذهب الاعتراضيّ الأصيل)، وما هو حظّها الفعلي في الحفاظ على ذاتيّتها أو هويتها بانغلاقٍ، بل بتهرّب من التطوّر الذي يحرّكه محرّك الحياة، والذي يتموضعُ باستمرار عبر مزيد من التحضّر العلمي العالمي، على حساب التصحُّر المذهبي، الذي يراهنُ أهله على قلبهِ سياسةً ولو لأجلٍ معيّن؟