أنت هنا

قراءة كتاب النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

يقوم هذا البحث بمناقشة مشكلات النحو ودعوات تجديده. وأهم محاور دعوات التجديد: إلغاء العامل، والتجديد في الإعراب؛ في الفصل الأول. ويجيب الفصل الأول عن تساؤلين مهمين: هل أزمة النحو العربي من النحو ذاته أو من طبيعة اللغة العربية؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

محاولات تجديد النحو

لقد أدرك النحويون القدماء صعوبة النحو على المتعلمين فألفوا المختصرات والمنظومات والشروح؛ محاولة منهم في تيسير النحو لطالبيه، ولكنها لم تخرج عن نطاق الشرح والاختصار والتقريب، واجتناب كثير من المسائل الخلافية. وهكذا خلت مؤلفاتهم من الإسراف في التفصيل والتفسير والولوع بالاستشهاد والاحتجاج والتعليل؛ ذلك أن همهم الوحيد هو تقريب النحو من المتعلمين. ومن الأمثلة على ذلك كتاب «الجمل» للزجاجي (ت238هـ)، و«الواضح» للزبيدي (ت 379 هـ)، و«اللمع» لابن جني (ت392هـ)، و«قطر الندى» لابن هشام الأنصاري (ت761هـ)... الخ(33).
وقبل الشروع في عرض محاولات التجديد النحوي يجدر تحديد مصطلح التجديد بتعريف واضح، لأن المصطلحات في محاولات تجديد النحو تنوعت بين إحياء، وإصلاح، وتجديد، وتيسير؛ وقد كانت متداخلة، لا ضابط لاستخدامها(34).
ومفهوم تجديد النحو كما يراه الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح: «هو تكييف النحو والصرف مع المقاييس التي تقتضيها التربية الحديثة عن طريق تبسيط الصورة التي تعرض فيها القواعد على المتعلمين. فعلى هذا، ينحصر التيسير في كيفية تعليم النحو، لا في النحو ذاته»(35).
وقد ارتبط تجديد النحو بالانصراف عن نظرية العامل، وإعادة تنسيق أبواب النحو، ووضع ضوابط وتعريفات دقيقة وجديدة لها، وإضافة أبواب جديدة، فضلاً على حذف زوائد كثيرة في النحو العربي، ومنع التأويل والتقدير في الصيغ والعبارات(36).
وكي يكون مفهوم التجديد أكثر وضوحاً، يجب علينا أن نفرق بين النحو العلمي والنحو التعليمي؛ فالنحو العلمي: يقوم على نظرية لغوية تنشد الدقة في الوصف والتفسير، وتتخذ لتحقيق هذا الهدف أدق المناهج. فهو نحو تخصصي ينبغي أن يكون عميقاً مجرداً، يدرس لذاته، وتلك طبيعته. أما النحو التعليمي: فيمثل المستوى الوظيفي النافع لتقويم اللسان، وسلامة الخطاب، وأداء الغرض، وترجمة الحاجة. فهو يركز على ما يحتاجه المتعلم، يختار المادة المناسبة من مجموع ما يقدمه النحو العلمي، مع تكييفها تكييفاً محكماً طبقاً لأهداف التعليم وظروف العملية التعليمية. فالنحو التربوي يقوم على أسس لغوية ونفسية وتربوية، وليس مجرد تلخيص للنحو العلمي. فعلى هذا المستوى، ينبغي أن تنصب جهود التيسير والتبسيط (37). وما يلاحظ على أكثر دعوات التجديد - خصوصاً الأولى منها -أنها اقتصرت على تجديد النحو التعليمي وتيسيره للتلاميذ.
ونجد أن دعوات تجديد النحو أو تيسيره تخلط بين هذين المصطلحين وأهداف تجديد كل منهما، فكل دعوة للحذف أو الإيجاز أو الشرح والتقريب هي دعوة لتيسير تعليمية النحو وليست تجديداً في علم النحو.
ودعوات تجديد النحو أكثر من أن تُعرض في هذا البحث الموجز. وقد استثنيت منها الكتب التي اعتمدت على الإيجاز والحذف أو تنسيق قواعد النحو في جداول، أو الاقتصار على تغيير الكلمات في الشواهد فيضعون مكان (زيد)؛ (محمد)، ومكان (ضرب)؛ (شرب). ومن أبرز الدعوات التي أفرد مؤلفوها كتباً تستقل بموضوع تجديد النحو العربي أو تطويره أوتيسيره أو نقده وتحليله:
1 - ابن مضاء القرطبي (ت592 هـ)، في كتاب: (الرد على النحاة) حققه الدكتور شوقي ضيف لأول مرة عام (1947م)(38). ويعتمد رد ابن مضاء على النحاة في رفض نظرية العامل فيقول في مقدمته: «وقصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو ما يستغني النحوي عنه، وأنبّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه، فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا (ضرب زيد عمراً) أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو إنما أحدثه (ضرب).. وهذا بيّن الفساد»(39). كما دعا إلى إلغاء العلل الثواني والثوالث، وإلغاء القياس والتمارين غير العملية، ومنع التأويل والتقدير في العبارات.
2 - إبراهيم مصطفى في كتابه: (إحياء النحو 1937م). ويبنيه أيضاً على رفض نظرية العامل والتوسع في الإعراب التقديري. ويرى أن علامات الإعراب يجب أن تدرس على أنها علامات للمعاني. وهو يقرر أن الضمة عَلَم الإسناد ودليل على أن الكلمة مرفوعة، يراد أن يسند إليها ويتحدث عنها. والكسرة علم الإضافة، وإشارة إلى ارتباط الكلمة بما قبلها بأداة أو بغير أداة، ولا يخرج كل منهما عن هذه إلا أن يكون في بناء أو إتباع. وللإعراب الضمة والكسرة فقط، وليستا أثراً لعامل من اللفظ، بل هما من عمل المتكلم ليدل بهما على معنى في تأليف الكلام؛ فالفتحة عنده لا تدل على معنى كالضمة والكسرة، فليست بعلم إعراب، ولكنها الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب، التي يحبون أن يشكل بها آخر كل كلمة في الوصل ودرج الكلام، فهي في العربية نظير السكون في لغتنا العامية.(40)

الصفحات