أنت هنا

قراءة كتاب النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

النحو العربي في ضوء اللسانيات الحديثة

يقوم هذا البحث بمناقشة مشكلات النحو ودعوات تجديده. وأهم محاور دعوات التجديد: إلغاء العامل، والتجديد في الإعراب؛ في الفصل الأول. ويجيب الفصل الأول عن تساؤلين مهمين: هل أزمة النحو العربي من النحو ذاته أو من طبيعة اللغة العربية؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 9

ويطبق تمّام حسّان نظام القرائن النحوية التي تتعدد في نطاق الجملة للكشف عن المعنى، والتي اقترحها بديلاً للعامل في كتابه: «الخلاصة النحوية». وأجدها أكثر تعقيداً من نظرية العامل نفسه.
ـ إلغاء الإعرابين: التقديري والمحلّي
يختلف النحويون في تحديد مفهوم واحد للإعراب، وتتباين تصوراتهم لاختلاف مفهومهم من غاية الإعراب؛ وللوصول إلى تصور مشترك لأي مصطلح نحتاج إلى الاتفاق على المنطلقات الأساسية لهذا المصطلح من جهة، وعلى طبيعته وكيفيّة عمله من جهة أخرى. ومن خلال تعريفاتهم للإعراب نفهم مدى قبولهم أو رفضهم لفكرة العامل(74). فالكفوي يعرّف الإعراب عند النحويين القدماء بأنه أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، ثم يذكر تفصيل لأشكال الإعراب عند عامة النحويين وله معنيان: عام وهو ما اقتضاه عروض معنى بتعلق العامل، ليكون دليلاً عليه؛ فإن لم يمنع من ظهوره شيء فلفظي؛ وإن منع فإن كان في آخره فتقديري، أو في نفسه فمحليّ. فالمانع من الإعراب في المحلي مجموع الكلمة لبنائه بخلاف المانع في التقديري فإنه الحرف الأخير. ثم المحلي في الأسماء والمضمرات المبنية؛ كالموصولات وأسماء الإشارات والأفعال الماضية والجمل والحروف. والتقديري في الأسماء التي في أواخرها ألف مقصورة(75).
ويبين الزجاجي أهمية الإعراب فيقول: «إن الأسماء لما كانت تعتورها المعاني وتكون فاعلة ومفعولة، ومضافة، ومضافاً إليها، ولم يكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني بل كانت مشتركة، جُعِلَتْ حركات الإعراب فيها تنتبئ عن هذه المعاني؛ فقالوا: ضرب زيد عمراً، فدلوا برفع زيد على أن الفعل له، وبنصب عمرو على أن الفعل واقع به. وقالوا: ضُرب زيدٌ؛ فدلوا بتغيير أول الفعل، ورفع زيد على أن الفعل ما لم يسمَّ فاعلُه، وأن المفعول قد ناب منابه. وقالوا: هذا غلام زيد؛ فدلوا بخفض زيد على إضافة الغلام إليه. وكذلك سائر المعاني جعلوا هذه الحركات دلائل عليها؛ ليتسعوا في كلامهم، ويقدموا الفاعل إذا أرادوا ذلك، أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه، وتكون الحركات دالّةً على المعاني»(76).
ويخالفهم في ذلك المستنير قطرب الذي يرى أن الإعراب لا يدل على معان محددة، وإنما كي يستطيع المتكلم إدراج كلامه بسهولة وسرعة لأن التسكين يضطره للتوقف بعد كل كلمة، يقول: «وإنما أعربت العرب كلامها؛ لأن الاسم في حالة الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضاً لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل، وكانوا يبطئون عند الإدراج، فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقباً للإسكان؛ ليعتدل الكلام؛ ألا تراهم بنوا كلامهم على متحرك وساكن، ومتحركين وساكن، ولم يجمعوا بين ساكنين في حشو كلمة، ولا في حشو بيت، ولا بين أربعة أحرف متحركة؛ لأنهم في اجتماع الساكنين يبطؤون، وفي كثرة الحروف المتحركة يستعجلون، وتذهب المهلة في كلامهم، فجعلوا الحركة عقب الإسكان»(77). ولم يتبع قطرب في رأيه من المحدثين غير إبراهيم أنيس وعبد الرحمن السيّد(78).
ودعا شوقي ضيف إلى إلغاء الإعرابين التقديري والمحليّ؛ يقول: «فلا داعي لأن يقال في مثل: «جاء الفتى»: الفتى فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها التعذر، ولا في مثل: «جاء القاضي»: القاضي فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل، بل يُكتفى في مثل الفتى والقاضي بأن كلاً منهما فاعل فحسب، وأيضاً فلا داعي لأن يقال في مثل: «هذا زيد»: هذا مبتدأ مبني على السكون في محل رفع بل يُكتفى في مثله بأن يقال: هذا مبتدأ فحسب، وبالمثل لا داعي أن يقال في مثل: «زيد يكتب الدرس» إن جملة يكتب الدرس في محل رفع خبر لزيد، بل يُكتفى بأن يقال إنها خبر لزيد»(79)
ويؤكد إبراهيم مصطفى على أن علامات الإعراب دوال على معان في تأليف الجملة وربط الكلام، فالضمة علم الإسناد ودليل على أن الكلمة مرفوعة، يراد أن يسند إليها ويتحدث عنها، والكسرة علم الإضافة، وللإعراب الضمة والكسرة فقط، وليستا أثراً لعامل من اللفظ، بل هما من عمل المتكلم ليدل بهما على معنى في تأليف الكلام؛ أما الفتحة عنده لا تدل على معنى كالضمة والكسرة، فليست بعلم إعراب، ولكنها الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب(80). ويتفق معه في ذلك مهدي مخزومي، إلا أنه يرى أن النصب علامة لكون الكلمة خارج نطاق الإسناد أو الإضافة(81). وقد انتقد عز الدين مجدوب هذا التقسيم وعدّهُ مأزقاً وقعاً فيه، حيث ساوى إبراهيم مصطفى ومهدي مخزومي بين الفاعل والمبتدأ ونائب الفاعل. وللتخلص من هذا المأزق يقترح تقسيم معاني الإعراب تقسيماً ينسجم مع ما يراه النحويون القدماء، ومحصل رأيهما:
• إن الرفع يدل على أن الاسم واقع في الكلام موقع عمدة.
• إن النصب والجر يدلان على الاسم واقع موقع فضلة.
ثم يميّزان بين النصب والجر تميزاً خفيفاً، وهو أن الجر للفضلات التي يفضى إليها جزء الكلام بواسطة حرف. وأما النصب فهو للفضلات التي يفضي إليها جزء الكلام بواسطة حرف أو بلا واسطة(82).
وقد فحص عز الدين مجدوب اعتراضات النحويين المحدثين على العوامل والإعراب، واستدل على أن علامات الإعراب من ثوابت المضمون، وأنه معنى يوجبه ائتلاف الاسم مع وحدات لغوية أخرى سماها النحويون عوامل.

الصفحات